العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ

الانتخابات والبرلمانيون الجُدد في إيران

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا أظنّ أنّ حدثا انتخابيا يحمل من الدلالات والرموز وبه مساحات اشتباك مُعقّدة كالحدث الانتخابي الإيراني. فالعارفون بالشأن الإيراني يُدركون أنه وفي كلّ عملية انتخابية سواء رئاسية أم تشريعية أم خبرائية أو حتى بلدية... تتراكم الظروف وتستحكم مآلاتها، حتى لكأنها تُنسي ما قبلها وتُتعب ما بعدها.

فحين جرت الدورة التشريعية الأولى في العام 1980 كانت الأوضاع مشدودة نحو التساؤل حول مصير الحكم الجديد ونمطه السياسي فكان حدث صياغة الدستور واستفتاء الإيرانيين بشأنه، وأيضا بروز تمثلات خام الثورة الأوّل كالحزب الجمهوري وروحانيت مبارز ومجاهدي خلق وفجر الإسلام ونهضة النساء المسلمات واتحاد المنظمات الإسلامي ومؤسسة الهادي وحركتي النهضة كلها كانت سمات البرلمان الأوّل.

وحين جرت الدورة الثانية في العام 1984 كانت مدافع الحرب مع العراق لا تهدأ، والجبهات متخمة بالقتلى والجرحى، وكانت بعض المناطق خارج التمثيل النيابي بسبب احتلالها من قِبَل الجيش العراقي، إلاّ أن هذه الدورة قد شهدت أيضا وقف تلك الحرب، ثم حَدثََي عزل رئيس الجمهورية أبو الحسن بني صدر واستشهاد رئيس مجلس القضاء الأعلى محمد حسين بهشتي ومعه سبعون شخصا من قيادات الثورة، وظهور الانفصال الكبير داخل جمعية علماء الدين المجاهدين (روحانيت مبارز) وظهور مُجمّع علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز)، وحل الحزب الجمهوري. وفي الخارج كانت أزمة الحجاج الإيرانيين في مكّة المكرمة تلقي بظلها على العلاقات الإيرانية مع الإقليم المجاور وخارجه.

وحين جرت الدورة الثالثة في العام 1989 كانت أحداث الداخل تتجه نحو أهم حدث واختبار من نوع خاص تمر به الثورة وهو وفاة ملهمها الأول الإمام الخميني (قد)، وانتخاب آية الله السيد علي خامنئي وليا للفقيه ومرشدا للثورة الإسلامية، وانتخاب الشيخ هاشمي رفسنجاني رئيسا للجمهورية بعد استقالته من رئاسة البرلمان. وفي الخارج كانت المنطقة تستعد لخريطة قوى جديدة بعد الغزو العراقي للكويت في أغسطس من العام 1990.

وحين جرت الدورة الرابعة في العام 1993 كانت حكومة الإعمار الأولى في أوج قوتها وانشغالها بالمحافظات الخمس المدمرة وبالاقتصاد المترهل، لكن المجلس فَقَدَ جزءا كبيرا من ملامحه الأولى التي اتّسم بها منذ بداية الثورة بعد انحسار دور اليسار الديني الراديكالي التي كان يُمثله مجمع علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز) بزعامة الشيخ مهدي كروبي وموسوي خوئينيها.

وحين جرت الدورة الخامسة في العام 1997 كان قد ظهر على يسار اليمين المحافظ ما عُرف حينها باليمين الصناعي أو «كوادر البناء»، وكانت البلاد تستعد لتغيير سياسي وثقافي من نوع خاص وهو وصول السيد محمد خاتمي إلى رئاسة الجمهورية وظهور شعارات التنمية السياسية على حساب التنمية الاقتصادية، ومن ثم أحداث عمليات الاغتيال الخمسة لمثقفين غير إسلاميين واندلاع مظاهرات يوليو في جامعة طهران في العام 1999.

وحين جرت الدورة السادسة في العام 2000 كانت حكومة الرئيس خاتمي قد أرهقتها حدة الصراعات بين متطرفي الثاني من خرداد مع تيار اليمين المحافظ، وفشل برامج حكومة الرئيس خاتمي الاقتصادية بعد تورطها في جبهات التنمية السياسية وتأجيل البُنى الاقتصادية التي بدأتها حكومة الرئيس رفسنجاني الأولى والثانية، وبعد النكسة البترولية العالمية في الأسعار، كما شهدت تلك الفترة إجراء انتخابات المجالس المحلية التي سيطر عليها الإصلاحيون بنسبة كبيرة، والزيادة القانونية في عدد أعضاء النواب بنسبة عشرين نائبا طبقا للزيادة السكانية، وأيضا الفوز الأوّل الذي حقّقه يمين اليمين في الانتخابات البلدية على حساب القوى الإصلاحية.

وحين جرت الدورة السابعة في العام 2004 كانت أهم الأحداث الداخلية هي أزمة الأهليّة التي رفِض خلالها أكثر من 44.1 بالمئة من مترشحي الإصلاحيين للانتخابات التشريعية، ومن ثم فوز اليمين المحافظ بغالبية المقاعد، وعلى المستوى الخارجي كان الموضوع النووي على أشده بعد قرار إيران إعادة العمل بالتخصيب في نهاية عهد الرئيس محمد خاتمي.

خلال هذه المرحلة التي أجرت فيها الدورة الثامنة للانتخابات التشريعية والتي لم تكتمل بعد بسبب ترحيل عدد مهم من المترشحين الذين لم يحصلوا على 25 بالمئة من أصوات الناخبين إلى دور ثان في النصف الأوّل من الشهر المقبل، يبدو أنّ الأمور تسير بشكل مختلف هذه المرة، ليس بسبب دموع التماسيح التي يذرفها المتطرفون الإصلاحيون والتي تجاوزها الزمن، بل بسبب الصيغة اليمينية الجديدة المنتظرة التي سيظهر بها المجلس الثامن. فالفوز الذي حقّقه المحافظون (بلا مذاهب) هو أغلبية ساحقة قطعا، لكن تمثلهم في القائمتين (الجبهة الموحدة للأصوليين والائتلاف الجامع للأصوليين) يحتاج إلى نظر في ظل تزاوج غائر بين القائمتين بلغ الثمانين بالمئة. فمثلا بيّنت النتائج الانتخابية لدائرة طهران فوز كل من غلام علي حداد عادل، مرتضي آقا تهراني، أحمد توكلي، علي مرتضى مطهري، حسن غفوري فرد، محمد رضا باهنر، شهاب الدين صدر، بيجن نوباوه، علي رضا مرندي، علي عباسبور تهراني فرد، حميد رضا كاتوزيان، إسماعيل كوثري، رضا أكرمي، فاطمة آليا، وهم في أغلبيتهم المطلقة محسوبون على اليمين التقليدي المنتقد للحكومة لكنهم في الوقت نفسه مُسجّلون ضمن الجبهة الموحدة للأصوليين الداعمة للرئيس أحمدي نجاد والتي تضم أنصاره.

وإذا ما نظرنا إلى الأسماء الأخرى التي ستتنافس في الجولة الثانية للفوز بالمقاعد الستة عشر المتبقية عن دائرة طهران الانتخابية، سنجد أنهم أيضا محسوبين على اليمين التقليدي لكنهم مسجلون في القائمة ذاتها كغلام رضا مصباحي مقدم وروح الله حسينيان وأسد الله بادامجيان، وبالتالي فإن المرحلة التي ستعقب الانتخابات ستكون بلا شك مرحلة مفصلية من حيث الاصطفاف اليميني أو «المبدئي» كما يُطلق عليه اليوم في إيران.

كذلك فإنّ البرلمان الثامن الذي يبدو أنّ لاريجاني في طريقه إلى رئاسته سيكون مُقدّمة أكيدة لتسوية الأمور العالقة للتيار فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في مايو من العام 2009 والتي يُعتقد بأن يتم الدفع بحداد عادل كمُرشّح إجماع لدى المحافظين إليها، وإذا ما تمّ هذا السيناريو فإن الأمور ستؤول إلى إعادة التوازن في المسطرة المحافظة عبر ترويض يمين اليمين الموالي للرئيس أحمدي نجاد وإعادة القوامة إلى روحانيت مبارز كوعاء كاريزمي للمحافظين، خصوصا وأن هذا التيار يتملك من الضبط الحزبي ما يُؤهله لذلك؛ وهو ما وجدناه خلال هذه الانتخابات عبر انسحاب رئيس حزب المؤتلفة محمد نبي حبيبي، وهو أحد أبرز الوجوه المحافظة داخل التيار لصالح عضو آخر بالجبهة الموحدة للأصوليين. وهو ما فعله أيضا كل من نائب رئيس جمعية فدائيي الثورة الإسلامية لطف الله فروزنده، ونائب رئيس نقابة المهندسين الإسلاميين غلام حسين أميري.

وإذا ما قرّرت خلال هذه المداخلة أنّ الأمور لا تزال في بواكيرها للحكم على شكل المجلس الجديد من حيث موازين القوى بداخله؛ إلاّ أنني سأخصص مداخلة أخرى لتشريح العملية الانتخابية برمتها للوقوف على تفاصيل التفاصيل التي اعتدنا على توثيقها في الملفات الإيرانية المختلفة والتي من خلالها نستطيع استخلاص عدد من النتائج بصدقية أكبر.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً