تحفر القطيف في ذاكرتها أشواقا لا يغير الزمان حرارتها، وصورا لا تستطيع الأيام محوها لكل ضيف زارها وأحبها وأخلص لها. فلا تزال أصداء الزيارة التي قامت بها عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) مع الوفد المصري للقطيف (صبيحة يوم الخميس من شهر فبراير/ شباط العام 1951م 1370هـ)، حديثا لكل مناسبة يأتي القطيف فيها زائر لأهلها وما زالت القطيف تفخر أن هذه الأديبة زارتها والتقت بعدد من أدبائها ووجهائها، بل يكاد الإنسان يقرأ حدث الزيارة باعتباره من أهم الأحداث التي مرت بها القطيف.
لقد مر الزمن وتغير الحال لتصبح القطيف برجالها وأهلها مقصدا لزيارة المسئولين في سلك الدولة والوجهاء والنبلاء والعلماء والمثقفين وأصحاب الشأن من مختلف المناطق.
وإذا كان الاعتياد على أمر يجعله منمطا لا يثير مزيد اهتمام ولا يستقطب أضواء كالأضواء التي حصلت عليها بنت الشاطئ في زيارتها التاريخية للقطيف، فإن بعضها يمتاز بنكهة تعصف بالروتين والنمطية، فتستقطب القلوب والنفوس لتفرض شخصيتها ولونها وعطاءها وإنسانيتها، وتسجل اسمها وذكرياتها في تاريخ المنطقة.
زيارة الوجيه والأديب الشيخ عبدالمقصود بن محمد سعيد خوجة الذي حل ضيفا على داعيه الشيخ حسن الصفار مساء الثلثاء 3/3/ 1425هـ هي من هذا النوع الذي يترك بصماته ليس على القطيف فحسب بل على الوطن بكل تفاصيله.
يكبل الشيخ خوجة قلمي بأغلال ثقيلة جدا، فلا يستطيع مدحه ولا الثناء عليه وقد رأيته وسمعته يتأفف من المدح والثناء له، ويؤكد أنه لو علم أنه سيسمع ما سمعه من الثناء والإطراء لما قدم للقطيف لذلك سأحتفظ بهذا الحق لي نزولا عند رغبته، ولن أُعمله أو أُفعله في هذا المقال. سأتحدث في أمرين وباختصار شديد، لأن مساحة المقال قصيرة وما في النفس كثير وكبير.
شخصيات من بلادي
لقد قدم مع الشيخ عددا من الشخصيات المعروفة على مستوى بلدنا الحبيبة، وكان من حق كل واحد منهم أن تكون له دعوة واحتفاء خاص به وهو يشرف أرض القطيف ويحل ضيفا على أهلها، فالأسماء كبيرة ومكانتها مرموقة وهم الداعية الإسلامي عبدالله محمد حسن فدعق وجميل محمود مغربي، والمعماري سامي محمد عنقاوي، والباحث عبدالله فراج الشريف. والمفكر الإسلامي الشيخ محمد صالح الدحيم، ورجل الأعمال محمد سعيد بن عبد المقصود خوجة، والعضو السابق بمجلس الشورى زهير أحمد السباعي، وعضو مجلس الشورى عبدالله صادق دحلان والتربوي الأكاديمي الشيخ محمد عطية.
إن النفوس على أشكالها تقع، فحب الشيخ وانسجامه مع العلماء والكفاءات وأجواء المعرفة أكرمتنا أن تكون معه هذه الكوكبة ومعرفة هذه النخبة الطيبة بوقوفها إلى جانب العلم والمعرفة دعاها لتكريمه وتكريمنا بالاستجابة وقد أتحفنا الجميع بكلمات قلبية صادقة تفوق الوصف.
ثقافة الإنسان
حين تسمع للشيخ خوجة تلمس ثقافة راقية وواعية، ثقافة ليست متحيزة لوجود سياسي معين أو لدولة يعيش في خيراتها هذا الرجل الكريم، كي تجد لها من يشاكسها ويعاندها لسبب أو لآخر. فالرجل قريب كل القرب من الدولة لكن الثقافة في وعيه لا تتلون ولا تتأطر، فهي السمو والرفعة والفخر للإنسان أولا وأخيرا. ومن هذا الوعي والإدراك لمعنى العلم والثقافة يمارس هذا الإنسان دعما خلفيا لكل إيجابية يلتقطها في مسار الدولة كنشر قيم التسامح والوسطية، والانفتاح والإنسانية ودعم المسيرة العلمية والعلماء والمنتديات الثقافية وغيرها.
وتلمسها ثقافة لا تحسب على توجه ديني خاص كي تتهم بالتحيز والضيق, وينظر إليها بخوف وتوجس، فالشيخ مع الدين كله بما يحمل ويستوعب من أطياف جميلة وروائح عبقة وألوان زاهية، فهو من أسرة عرفت بالتدين وعطاؤه للعلماء شاهد على ذلك، لكنه أبى أن يقصر عطاءه على جهة دون أخرى وفي هذا الحس الإنساني ما يؤلف ويجمع.
يحرك الرجل إمكاناته في دعم القيم الفوقية والمشتركة التي تلتقي عندها كل الروافد والأنهار، تاركا لكل رافد تحركاته وتعرجاته، وما يتحرك فيه من أحياء وخيرات لتكون شأنا خاصا به فالتفاصيل عنده لا تتضخم على حساب الكليات، بل يراها حقا مشروعا لذلك النهر الصغير، لا يتوجس من ذلك ما دامت القيم الكبرى مدعومة، لها من يرعاها ويسندها ويمدها بالفاعلية والنشاط.
قلة هم أولئك الذين يجمعون بين الدنيا والآخرة لسعادتهم في الدارين، وقلة هم الذين يجمعون بين الدين والدولة لتصب أنظارهم على الإنسان ليسعد بدينه ضمن رافده الخاص ويخلص لدولته في وجودها العام فيجمع بين هذا وذاك جمعا سلسا يجعل كل واحد منهما يعطي شيئا من قوته للآخر.
شخصية الخوجة نداء لرجال الثراء والوجاهة والخير في بلادنا، يا رجال الأعمال يا أثرياء المجتمع وقوته الاقتصادية... التفتوا إلى الوطن إلى جانب الثراء، والإنسان إلى جانب الغنى، والعلم والمعرفة إلى جانب أعمالكم، فأنتم الرافع والرافد والعون للبلاد ولإنسانها.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ