العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ

الشورى… واعظا دينيا!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بعد خمسة أشهر من ترامي الكرة بين الحكومة ومجلسي النواب والشورى، كادت الـ 40 مليون دينارا تفلت أخيرا من الشباك.

في الدول الخليجية المجاورة، ومع ارتفاع أسعار النفط وأسعار السلع، تم رفع رواتب المواطنين، إلا في البحرين... فقد أوجعوا رؤوس الناس على هذه الـ 40 مليون دينار فقط، كأنها عظمة جحا!

عندما اتفق النواب مع الحكومة على معايير لصرف «علاوة الغلاء»، خرج مصدر حكومي مسئول رفض الكشف عن هويته، للتشكيك في إمكانية تمرير العلاوة بحسب معايير اللجنة الحكومية النيابية!

حتى مجلس الشورى، حاول أن يتدخل لعرقلة هذه العلاوة، ليسجّل اعتراضه على التسمية، فحضرات الشوريين لم تعجبهم تسمية «علاوة الغلاء»، فاقترحوا تسميتها بـ «معونة الفقراء»، فشعب البحرين لا يستحق أن يصيبه شيء من ثروته القومية وإنما أن يبقى متسولا على باب وزارة التنمية الاجتماعية. وهكذا تم تحريف هذه الخطوة التي يفترض النظر إليها باعتبارها شكلا بسيطا وبدائيا من أشكال توزيع الثروة... إلى معونة فقراء!

الكل في هذا البلد لا يراعي شيئا اسمه «كرامة المواطن»، لا الحكومة ولا النواب ولا الشورى. الحكومة «الإلكترونية» التي اقتطعت الـ 1 في المئة من رواتب الجميع، من دون حاجةٍ لفتح مراكز للتسجيل، نشرت أسماء 33 ألفا نصفهم معلوماتهم غير مكتملة! فضلا عن 66 ألفا آخرين مازالوا خارج القائمة!

أما النواب… فحتى بعض نواب الوفاق لم يجدوا غضاضة في فكرة إنشاء مراكز تسجيل الأسماء على إطلاقها. أما الشورى، الذي رفض عددٌ من أعضائه الانضمام إلى لجنة «الغلاء» قبل أسابيع، فقد اجتمعت أمس وخرجت بتوصياتٍ جهنميةٍ لحل مشكلة الغلاء!

بيان اللجنة يشعرك بأنك تقرأ بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أيام الرفيق جوزيف ستالين! فاللجنة التي يفترض أن تتدارس ظاهرة الغلاء، يبدو أنها أصيبت بحالة من التقمص الكاريزمي، فقدّمت موعظة أخلاقية عن «أهمية الاهتمام بثقافة الاستهلاك»! و«يتوجب على الأسرة البحرينية أن تسلك طريقة جديدة في مجال الاستهلاك وإعادة النظر في تنظيم مصروفاتها اليومية وموازنتها بما يمكنها من التصدي لظاهرة غلاء الأسعار»!

اللجنة «المفكّرة» أكّدت أن «الحاجة ماسة للتنبيه إلى مخاطر الثقافة المادية الاستهلاكية التي يسعى لنشرها النظام العالمي الجديد». فأنت لست أمام لجنة مسئولة وإنما أمام مقال «إنشائي»، سيرفض نشره بعض محرري صفحات القراء لركاكته وفجاجته وثقل أسلوبه!

اللجنة التي كانت «منشغلة» بعرقلة علاوة الغلاء منذ أسابيع، خرجت لتقول إنه «من أجل الوصول إلى مستوى إيجابي من الاستهلاك لابد أن تتمتع الأسرة بثقافة صحية واجتماعية وقانونية وشرعية منسجمة»!

الكارثة أن هذا البيان الركيك صدر بعد اجتماع اللجنة المذكورة مع ممثلي وزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام، وممثلي بنك HSBC بهدف «الخروج بتصوّر ومرئيات تساعد على وضع حلول تحد من نسبة الغلاء من خلال البحث والتقصي عن المشكلة ووضع الحلول والاقتراحات»!

أنا لا أدافع عن الثقافة الاستهلاكية التي تنخر مجتمعاتنا، لكن لا أعتقد أن المشكلة تكمن هنا في هذه الأيام، بل في الارتفاع الجنوني للأسعار والسلع والخدمات، الذي ضرب القدرة الشرائية لعشرات الآلاف من المواطنين، وضعضع أوضاع الطبقة الوسطى، وهي قضايا اقتصادية كبرى لا تحلها لجانٌ مؤقتةٌ لم تلد غير هذا البيان المتهافت الركيك.

عجيبة هالدنيا! ناس ما عندها تأكل.. وناس تتفلسف على الناس!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً