أكد عاطف عبدالملك، في حديث مع برنامج «أسواق الشرق الأوسط CNN» أنه كان على دول الخليج أن تفك «ارتباط عملاتها بالدولار منذ فترة طويلة، لكن القرار السياسي لم يتخذ بعد»، وحذّر من أن «النمو الكبير الذي تشهده المنطقة ككل بدأ يتآكل بفعل التضخم الذي تستورده دول المنطقة من الخارج».
وشخّص عبدالملك بعض المظاهر السلبية في الاقتصاد الخليجي جراء ارتباط معظم العملات الخليجية بالدولار الأميركي، فقال: إن «النمو في المنطقة يسجل 8 في المئة، لكن التضخم يقضم معظم هذه النسبة، وهذا يعود إلى واقع أننا نستورد التضخم عبر تسعير كل صادراتنا، ومعظم وارداتنا، بالدولار الأميركي».
ونجح عبدالملك في التمييز بكل دقة وشفافية، بين الذاتي على صعيد مصلحة بنك «أرابتيكا» المباشرة، وبين المصلحة الوطنية على مستوى دول مجلس التعاون حين قال: «من وجهة نظر شخصية، أفضل بقاء الارتباط كون المصرف (أرابتيكا) يعمل بالدولار، لكن على المستوى الاقتصادي أقول إن فك الارتباط بالعملة الأميركية أمر كان يجب أن يحصل منذ زمن».
وتكتسب مناشدة عبدالملك دول الخليج الإقدام على هذه الخطوة أهمية خاصة كونها تصدر عن شخصية خليجية مهمة مثل عاطف عبدالملك. فهو أولا يشغل منصب المدير التنفيذي لمصرف «أرابتيكا» الاستثماري البحريني، المصرف الذي يمتلك استثمارات في كل الأسواق محلية كانت أم عالمية، الأمر الذي يعطيه القدرة على تلمس حاجات، ناهيك عن اتجاهات الأسواق العالمية، بما فيها أسواق الأسهم والعملات.
في الوقت ذاته، هو عضو في مجلس التنمية الاقتصادية البحريني، الأمر الذي يبيح له الاقتراب من مراكز صنع القرار، ومن ثم يمكنه ذلك من تلمس التأثير المباشر على تلك المؤسسات في علاقاتها مع مثيلاتها المحلية والعالمية. كل ذلك يضع بين يدي عبدالملك بعض أوراق اللعبة السيا- اقتصادية في المنطقة، ويعطي تصريحاته ثقلا سياسيا يتجاوز بكثير إطارها المالي أو دائرتها الاقتصادية. وفوق هذا وذاك، كان من بين المرشحين لجائزة «رواد الأعمال في الشرق الأوسط للعام 2007»، وهي الجائزة التي تقوم على تكريم وتقدير أصحاب المشروعات على المستويين الإقليمي والعالمي ممن يقدمون أداء لافتا ويحققون نموا متميزا في أعمالهم.
ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن انعكاسات أزمة الدولار على عملات، او حتى اقتصاديات، سوق معينة مثل السوق الخليجية. لقد شهدنا حالة مشابهة لتلك التي نعيشها اليوم في السبيعينيات من القرن الماضي، في أعقاب الطفرة النفطية الأولى. حينها، كانت الولايات المتحدة تجر أذيال هزيمتها من فيتنام، مصحوبة بكساد اقتصادي مشوب بالتضخم، اضطرت بموجبه واشنطن إلى إعادة النظر في أسعار الدولار مقارنة مع العملات الأخرى. والحديث عن الدولار وعلاقاته بالعملات الأخرى مسألة معقدة وشائكة، وتتداخل فيها القضايا المالية والاقتصادية مع الجوانب السياسية، وخصوصا عند الحديث عن علاقات الدولار مع العملات الخليجية، بفضل العوامل الآتية:
1 - تعتمد دول مجلس التعاون في تأمين دخولها الوطنية على مادة خام أساسية هي النفط، الذي تشكل عائداته لدى بعض الدول الخليجية العضوة في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ما يزيد على 80 في المئة من دخول تلك الدول. وفي الوقت ذاته، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى بين الدول المستوردة لهذه المادة الخام. وتحصل واشنطن على نسبة عالية من وارداتها النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي.
2 - ترتبط دول مجلس التعاون بعلاقات إستراتيجية سياسية مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل قراراتها الاقتصادية، خاضعة في كثير من الأحيان، إلى مقاييس وعوامل سياسية أكثر منها اقتصادية محضة.
3- تجتاح منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها منطقة الخليج، بفضل الأوضاع في العراق، رياح تغيير عاتية، تخشى انعكاساتها العواصم الخليجية، الأمر الذي يجعلها بحاجة ماسة - من وجهة نظر هذه العواصم - إلى حلفاء دوليين مثل الولايات المتحدة. ومحصلة كل ذلك تقليص هامش الحرية الذي تتمتع به العواصم الخليجية عند اتخاذ قراراتها، سياسية كانت أم اقتصادية.
4- تلم بالولايات المتحدة أزمات اقتصادية وسياسية محلية وعالمية ترغمها على اتخاذ قرارات على شاكلة خفض قيمة الدولار الأميركي. فهناك أزمة العقارات والرهونات التي تترك ظلالها القاتمة على الاقتصاد، وهناك التورط الأميركي في العراق وأفغانستان، يترافق كل ذلك مع مضاربات العملات في الأسواق الآسيوية وتذبذب أسواقها المالية، وتنافس الشركات الأميركية مع شركات الأسواق الصاعدة مثل الهند والصين، ناهيك عن شركات الأسواق التلقيدية مثل اليابان.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ