العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ

تونس في الذكرى 52 للاستقلال... اعتزاز بمكاسب التحرير وإرادة التغيير

خالد الزيتوني comments [at] alwasatnews.com

السفير التونسي لدى البحرين

احتفلت تونس، في العشرين من مارس/آذار 2008، بالذكرى الثانية والخمسين للاستقلال، وهي مناسبة وطنية مجيدة يحيي فيها التونسيون والتونسيات، بكلّ نخوة واعتزاز، ذكرى يوم تاريخي نال فيه الشعب حريته والوطن كرامته والبلاد سيادتها. وهو يوم توّج مسيرة خالدة كتبها رجال تونس ونساؤها بشجاعتهم وتضحياتهم وروحهم الوطنية العالية.

والاحتفال بعيد الاستقلال تعبير متجدد عن العرفان لتضحيات الشهداء ونضالات رموز الفكر والإصلاح من أجل الحرية والكرامة، وهو احتفاء بتاريخ تونس الحافل بالأمجاد الذي تنهل منه الأجيال المتلاحقة معاني التعلّق بتونس والولاء لها والذود عن مصالحها.

ومنذ 20 مارس 1956 تاريخ التوقيع على بروتوكول الاستقلال التام، انخرطت تونس، بكلّ عزم، في مرحلة القضاء على رواسب الاستعمار وبناء الدولة الحديثة. فتمّ، على سبيل الذكر لا الحصر، إعلان النظام الجمهوري (25/07/1957) وإصدار دستور جديد للجمهورية التونسية (1959). كما تمّ العمل على إصلاح التعليم وتنفيذ مخططات تنموية طموحة من أجل تحسين ظروف عيش المواطنين.

وقد احتل الإصلاح الاجتماعي مكانة مركزية ضمن أولويات تونس المستقلة، حيث وُضعت مجلة الأحوال الشخصية في 13/8/1956؛ لتساهم بقسط وافر في دفع التطوّر المجتمعي لتونس، حيث مكّنت هذه المجلة الرائدة من تكريس حقوق المرأة وتعزيز مكانتها في الأسرة والمجتمع ودعم مشاركتها في التنمية.

ولمّا كان واجب الحفاظ على الاستقلال لا يقل مسئولية عن نيله، وشرف العمل على دعمه يضاهي شرف الكفاح من أجل الحصول عليه، كان تغيير السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1987 تواصلا للخيارات الجوهرية لدولة الاستقلال وإثراء لها. ذلك أنّه، وفق رؤية متناغمة مع تطلعات التونسيين ومتغيرات الفضاء الدولي، تواترت، على مدى العشريتين الأخيرتين، الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي استهدفت الارتقاء بتونس إلى مدارات أعلى من التطوّر والنهوض بالإنسان التونسي باعتباره غاية كلّ مجهود تنموي.

فعلى الصعيد السياسي، ركّز التمشي الإصلاحي لسيـادة الرئيس زين العابديـن بن علي على تعزيز أركان النظام الجمهوري وتجذير الخيار الديمقراطي. فتمّ العمل على الارتقاء بقيمة المواطنة وضمان التعددية السياسية وتعزيز حرية الصحافة واستقلالية القضاء. كما اهتمت تونس بإثراء منظومة حقوق الإنسان ضمن مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومن منطلق الوعي بمتطلبات بناء الاستقلال الحقيقي والمناعة الفعلية، شكّل الإصلاح الاقتصادي محورا مركزيا ضمن سياسة تونس التنموية. وفي هذا السياق، نستحضر مقولة جامعة كثيفة الدلالات لسيادة الرئيس زين العابدين بن علي، مفادها أنّه «لا استقلال لشعب يأكل من مزارع غيره ويلبس من مصانع الآخرين».

واستنادا إلى هذه القناعة، تتالت الإجراءات الرامية إلى إصلاح الاقتصاد التونسي، من حيث الارتقاء بقدرته التنافسية وتنفيذ برامج طموحة للتأهيل الصناعي وإرساء تشريعات تحفز على المبادرة الخاصة وتشجيع الاستثمار في كلّ القطاعات ولا سيما في القطاعات المجددة والواعدة. ويتجلّى تطوّر الاقتصاد التونسي من خلال ما شهدته سنة 2006 من مؤشرات إيجابية، رغم التقلبات المناخية وارتفاع أسعار المحروقات وتذبذب سعر العملات، حيث حققت تونس نسبة نمو اقتصادي تُقدر بـ 5.3في المئة، ونمت الصادرات بنسبة 8.7في المئة، فيما ارتقت حصة القطاع الخاص من الاستثمار الجملي إلى 56.5في المئة، وارتفع نصيب الاستثمار من الناتج المحلي إلى 22في المئة، فضلا عن بلوغ نسبة نمو الاستثمارات المباشرة 10في المئة.

وقد تعزّزت ثقة المستثمرين الأجانب في مناخ الاستثمار في تونس بفضل السمعة الطيبة التي يحظى بها الاقتصاد الوطني لدى عدّة هيئات دولية وإقليمية مرموقة. فعلى سبيل المثال، تحصّلت تونس على المرتبة الأولى في إفريقيا والمرتبة 30 على المستوى العالمي في مجال القدرة التنافسية الاقتصادية (تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول القدرة التنافسية 2006 - 2007). كما احتلت تونس، بحسب التقرير نفسه، المرتبة الأولى في المغرب العربي وفي إفريقيا والمرتبة الثانية في العالم العربي والمرتبة 34 على المستوى العالمي في مجال القدرة التنافسية لقطاع السياحة والأسفار.

وعموما، توجد تونس في مراتب متقدّمة بحسب تقرير البنك العالمي بشأن مناخ الأعمال وتقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية عن التنمية البشرية وكذلك تقرير المنظمة العالمية للشفافية.

وقد تمكّنت تونس، بفضل هذه الإصلاحات، من إرساء نموذج تنموي متميّز يقوم على التلازم الوثيق بين الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للتنمية.

فبالإضافة إلى تكريس المسار الديمقراطي وتحسين المؤشرات الاقتصادية، وضعت تونس سياسة اجتماعية رائدة تحققت بفضلها مشاركة كافة فئات المجتمع في مسيرة التنمية دون إقصاء أو تهميش. وفي هذا الإطار، تمّ إيلاء عناية خاصة للمرأة والطفولة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.

كما عملت تونس على تكريس مبدأ التضامن بين مكونات المجتمع كافة والارتقاء به من قيمة أخلاقية إلى مرتبة دستورية، فاستُحدثت عدّة هياكل، ما انفكت تثبت نجاعتها، على غرار الصندوق الوطني للتضامن 26-26 وبنك التضامن والصندوق الوطني للشباب 21-21. وقد مكّنت هذه السياسة من بلوغ مستوى نمو اجتماعي متميّز شمل جميع الشرائح الاجتماعية، إذ توسّعت الطبقة الوسطى في المجتمع لتشمل ما يزيد عن 82في المئة من إجمالي عدد السكان، مقابل تقلص نسبة الفقر إلى 3.9 في المئة. كما تعززت القدرة الشرائية للمواطن بفضل ارتفاع الدخل الفردي الذي تضاعف 4 مرات عمّا كان عليه سنة 1987.

وقد ساهم هذا الرصيد من الإنجازات والإصلاحات في تهيئة تونس لمجابهة استحقاقات الانخراط في مسار العولمة وتأمين أسباب اقتدارها على الإيفاء بالتزاماتها في إطار التعاقدات مع الدول الشريكة ومع المجموعات الإقليمية، على غرار اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ يوم 1/1/2008، كأوّل اتفاق من نوعه مع دولة من دول جنوب المتوسط.

وعلى صعيد آخر، تنتهج تونس في علاقاتها الخارجية سياسة متوازنة تتسم بالتفتح والاعتدال والتمسك بالشرعية الدولية، كما تعمل على نصرة قضايا الحق والعدل. ووفق هذه الرؤية، تضطلع تونس بدور نشيط في محيطها الإقليمي والدولي، حيث تحرص على تعزيز علاقاتها الثنائية مع الدول الشقيقة والصديقة والمساهمة بفاعلية في دفع العمل متعدد الأطراف صلب عديد المنظمات الجهوية والإقليمية والدولية.

وتتميز العلاقات بين تونس ومملكة البحرين الشقيقة بالمودّة والإخاء والعراقة، وهي علاقات راسخة ومتينة قوامها الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة والرغبة في الارتقاء بالتعاون الثنائي إلى مراتب الشراكة الحقة، بما يستجيب للإرادة السياسية الثابتة لقائدي البلدين، سيادة الرئيس زين العابدين بن علي وأخيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظهما الله ورعاهما.

وتجسيدا لهذه الإرادة، شهدت العلاقات الثنائية التونسية البحرينية تطوّرا ملموسا في عدّة مجالات. ففضلا عن تعزيز مضامين التعاون الفني ليشمل، زيادة عن قطاع التعليم، مجالات جديدة على غرار الصحة والمصارف والكهرباء والمحاسبة، حقق حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعا ملموسا سنة 2007.

كما تعزز حجم الاستثمار المباشر بين البلدين في ضوء تعدد فرص الشراكة والاستثمار. وفي هذا السياق، نشير، على سبيل المثال، إلى مشروع مرفأ تونس المالي الذي سينفذه بيت التمويل الخليجي بقيمة 3 مليارات دولار. وتتطلّع تونس إلى مزيد تدعيم جسور التعاون بين رجال الأعمال البحرينيين والتونسيين، وذلك للاستفادة من الإمكانات للاستثمار والشراكة في البلدين، على غرار الفرص الجمة التي يتيحها المخطط الحادي عشر للتنمية في تونس (2007-2011) سواء في قطاعات الإنتاج التقليدية، أو في الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية على غرار صناعة البرمجيات والخدمات المالية والاتصالية والإعلامية والخدمات الموجّهة للمؤسسة.

وفي هذا الإطار، تمثل الدورة المقبلة للجنة العليا المشتركة التونسية البحرينية المزمع عقدها في بداية شهر أبريل/نيسان 2008، فرصة لتحيين عدّة اتفاقيات ثنائية في شتّى المجالات واستكشاف المزيد من فرص الشراكة والاستثمار. ولئن تمثل ذكرى مرور 52 سنة على الاستقلال مناسبة للوقوف على حصاد سنوات الاستقلال والتغيير على جميع الأصعدة، فإنّها تعدّ كذلك مناسبة لتلمس ملامح المستقبل وما يختزنه من تحديات ورهانات ليس من سبيل لمجابهتها بأوفر حظوظ النجاح سوى المثابرة على نهج الإصلاح والتطوير وإحكام التخطيط لصون الاستقلال وتعزيز أركان مناعة الوطن وكرامة المواطن.

إقرأ أيضا لـ "خالد الزيتوني"

العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً