في جوٍّ مكهربٍ بالسياسة، يعتبر تجنّب الحديث عن البرلمان تقصيرا أو تقاعسا في أداء الواجب، بينما يُفترض ألاّ يجرنا البرلمان بالضرورة إلى حالة الفراغ التي تورّط فيها.
الاستغراق «الكامل» في لجّة السياسة، ينسينا الكثير من الأمور التي تؤثر على حياتنا ومستقبل أجيالنا وبلداننا، فيما ننشغل باللحظة الراهنة وتفاصيلها التافهة.
الوطن لا يمكن اختزاله في برلمان مبتلى بتركيبته الطائفية، فالأرض أرحب من 40 نائبا منقسمين على أربع كتل متنافرة، لا يُراد لها أن تجتمع على رأيٍّ وطني واحد.
أنت لا تملك أن تغيّر واقعا مأزوما، ولكن يكفي أن تثير الأسئلة أحيانا، وأن تشعر بأن هناك من يستقبل الأسئلة ويتابع النقاش. فهناك قضايا مهمة ومصيرية ليس على مستوى البحرين بل على مستوى المنطقة بأكملها، من قبيل تأثير العمالة الأجنبية على واقع الخليج وتركيبته السكانية ومستقبله. فنحن بدأنا نفكّر في طرق «التحكم الأمني» في هذه العمالة البائسة بعد أن أخذت تتململ، ولم نسأل أنفسنا: لماذا هذه الاحتجاجات؟ وماذا لو خرج العمال الأجانب فجأة من الخليج؟ هل سنتمكن من تشييد برج واحد من الأبراج العملاقة اعتمادا على العمالة الوطنية؟
من السهل الدعوة لقمع و«تأديب» العمال الأجانب «الذين لا يحمدون ربهم»، والانسياق وراء تغذية المشاعر العنصرية البغيضة، ولكننا لا نمتلك الشجاعة في مراجعة الذات، وخصوصا مع هطول هذه الثروة النفطية الطارئة الجديدة.
إحدى القارئات اسمها جميلة، وأحسبها آسيوية، ومع احترامي لكل شعوب الأرض، فكلنا لآدم وآدم من تراب، كتبت تعليقا بالإنجليزية على ما يكتب في صحفنا من تعليقات، تقول: «أشعر دائما بالصدمة مما يكتب بخصوص العمالة الأجنبية في دول الخليج. فلماذا لا تعملون أنتم؟ ابنوا شوارعكم وجسوركم ومجمّعاتكم التجارية، وبعدها لا تستقدموا هنودا أو بنغاليين لعمل ذلك لكم».
العائلة الخليجية آخذة بالتفكك الداخلي شيئا فشيئا، حتى وصل بنا الأمر إلى تخلّي جزء كبير منّا عن مهمة تربية أبنائهم للشغّالات، وأكثرهن غريبات اللغة أو الدين أو هما معا، ولا أحسب أن هناك أمة أو شعبا وصل إلى هذا المستوى من الاستهتار بأبنائه. تقول جميلة: «اطبخوا طعامكم بأنفسكم، نظّفوا منازلكم، اعتنوا وربّوا أطفالكم، وبعدها لا تستقدموا أحدا من الخارج للقيام بذلك نيابة عنكم». وتتوسع في طرح وجهة نظرها: «ابعثوا ببناتكم للعمل في شركات الطيران، ودعوهن يتعلّمن اللغات الأجنبية، ومشاهدة العالم، بعدها لا تستوردوا أية مغربيات أو روسيات أو أي من الجنسيات الأخرى التي لاتزالون تشكون منها».
وتذكّرنا بإحدى البديهيات التي نسيناها: «إنها من الأنانية المطبقة لدى شعوبكم... فهل تعتقدون أن هذه الشعوب تتسلم أموالا مقابل لا شيء؟ هل يمكنكم أن تكونوا تحت أشعة الشمس طوال النهار والليل للقيام بما يقومون به من أعمال لكم؟ وهل يمكن أن تصبر بناتكم على كل الممارسات الفظة وعدم الاحترام التي تتلقاها الفتيات الأجنبيات من جميع أشكال البشر في دولكم»؟
وتضيف جميلة: «أتمنى لو أجد من يكون منصفا تجاه هؤلاء العمال الفقراء، وأنا متأكدةٌ تماما أنهم سيجدون أماكن أخرى للعمل لو قمتم بطردهم من بلادكم، لأنهم ببساطة يؤمنون أن العمل ليس شيئا يجب أن نخجل منه. وشكرا».
الرسالة وصلت... يا جميلة. ألف شكر وألف ألف اعتذار.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2025 - السبت 22 مارس 2008م الموافق 14 ربيع الاول 1429هـ