نشر مركز الخدمات البيطرية بوزارة الزراعة الصهيونية والمعني بتسجيل الكلاب (أجلّكم الله) أن مئات الصهاينة منحوا كلابهم أسماءَ لقادة سياسيين من الكيان الصهيوني. وبيّنت وثائق المركز المذكور أن ثلاثة كلاب تحمل اسم أولمرت، واحد منها يسكن في الجليل السفلي، وآخران في المجلس الإقليمي مرحافيم، وأربعة كلاب تحمل اسم بيريز تعيش في مستوطنة كريات شمونة وبئر السبع وديمونا وبلدة كديما، و109 كلاب تحمل اسم بنيامين نتنياهو، أما اسم إيهود باراك فكان حظّه 410 كلاب يحملون اسمه في عموم الكيان الصهيوني الذي يهجع في أحشائه أزيد من 300 ألف كلب بحسب مستندات المركز!
بطبيعة الحال، إن حكاية الكلاب قد لا تدلّ بوضوح على الأنماط العامة والمتحدة لشكل المجتمع الصهيوني، باعتبارها قد تكون حمّالة أوجه، ولكنها بالتأكيد تُحفّز إلى تشخيصه أو جزءٍ منه. فهو -بحسب تفسير وزارة الخارجية الصهيونية على موقعها الإلكتروني - مجتمع جديد ولكن جذوره تعود إلى الماضي البعيد ويتميز بتنوع كبير من حيث الخلفية العرقية والدينية والثقافية والاجتماعية. ولكن الخارجية الصهيونية لم تُفسّر معنى هذه الخلفيات للمجتمع الصهيوني لكي يتضح المشهد بشكل أدق.
فهو قبل كل شيء - بحسب المشاهدة العلمية - مجتمع مهاجرين وبالتالي يعيش ضياع هوية جامعة تُؤسس لمستقبل اجتماعي وثقافي آمن ومستقر. هذا المجتمع غير المتجانس هو قبل كل شيء تزاوج قهري بين ميتافيزيقيا الصهيونية العالمية والقيمة الحقيقية للأوطان التي تمتاز بكثير من المقومات الأساسية لإنتاج مجتمعات نقيّة.
هذا التزاوج القهري قد أريد له أن يتوافق على مشروع تهجين هذه العرقيات والثقافات لكي تتمالأ على هوية موحّدة. ولكن الإشكال الأكبر الذي واجهه ذلك المشروع هو الفصل الكبير بين أصالة الوافدين وأصالة الدولة الصهيونية المفترضة من حيث الانتماء المعنوي والممارسات والسلوك، بالإضافة إلى عدم تحريك الخصائص العامة المشتركة لكي تكون قواعدَ انتقالية (على أقل تقدير) لهذا المجتمع، وفي مواطن أخرى فشل فاعلية التجنيد الإجباري والمناهج المشتركة وتثبيت اللغة العبرية ومُقدّس الدولة وأزلية الاستهداف لتكوين هوامش تلك الهوية.
في المُحصّلة، إن 76.2 في المئة من الملايين السبعة القاطنة داخل الكيان الصهيوني (وهم من اليهود) لا يجمعهم سوى أنهم في حاجة إلى أرض للسُكنى؛ لذلك ليس غريبا أن تستجيب هذه الجماعات المُستَقدَمة (وكأنها شكل من أشكال العمالة الوافدة) فقط لقناعاتها ومتطلباتها التي كانت تلتئم عليها في بلدانها الأصلية. فنجد أن أشهر مُدونة صهيونية من ضمن عشرات الآلاف من المدونات بعد مدونة يائر روائه هي لشخصية مجهولة يُعتقد أنها ليهودي روسي لا تهتم إلاّ بالمخدرات وأحدث أفلام الجنس وهي المشكلات ذاتها التي تعاني منها روسيا منذ أن تسلّمها بوريس يلتسن!
ليس هذا فقط بل إن إحدى الدراسات الأمنية الحديثة قد أشارت إلى أن التوجهات الحقيقية للشاباك والموساد قد تمنهجت وفق الطبيعة الحقيقية للمجتمع الصهيوني القائم على التنافر وعدم الانسجام نتيجة لتعدد الجنسيات واختلاف البيئات التي قَدِمَ منها اليهود إلى أرض فلسطين منذ تأسيسها، حيث تظهر التباينات بين السفارديم والإشكيناز والفلاشا والتمييز والفصل الحدّي بينهم.
أعود لمسألة تسمية الكلاب التي بدأت بها لأثير السؤال عنها، وهي بقاء غياب الكثير من التفسيرات الحقيقية للخلفية الثقافية والسياسية والسلوكية لمثل هذه الأفعال داخل المجتمع الصهيوني وغيرها كُثُر، ليستمر النقاش والبحث عن طبيعة ذلك المجتمع وإلى أين يسير.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ