لقد بتنا نسمع عن قضايا ضرب المرضى للأطباء! شيء لا يصدق في حضارتنا اليوم... كيف تتطور الأمور وتتردى إلى هذه الدرجة؟ ما هي نوعية الاستفزاز حينها والتي تحول المريض إلى مثل هذه الشراسة لدرجة التطاول بالأيدي على الطبيبة والتي ستزيل آلامه؟ لي قريب طبيب ذو تخصص نادر، لم يتمكن من الاستمرار في العمل والعلاج هنا بعد أن اعتدى عليه مريض، وقرر الرجوع إلى أميركا للفرق على حد زعمه في احترام الأطباء هناك وكأنهم مقدسون!
وزميل آخر في المهنة تحوّل إلى تاجر عقارات، وآخرون غيرهم أبعدوا عن المهنة بسبب عدم شعورهم بالرضا في تعاملاتهم وبأنّ المرضى لا يحترمون الأطباء، ولا عقاب يردع المعتدين. حينما يتحدّون الأطباء بالتطاول اللفظي المنتشر هذه الأيام في حال إذا لم يعجب الطبيب مريضه أو يروق له علاجه! كيف يصل بنا الحال لهذه النوعية من السوء في التعامل مع ملائكة الرحمة؟
إنّ أموال الدنيا كلّها يدفعها الإنسان في سبيل لحظة شفاء، فالمهنة تأخذ الكثير من الوقت والزمن للتخرج، وعلينا أن لا نتساهل في عدم أخذ المواقف الواضحة في تحديد العقاب الذي يردع المتطاولين كي لا نخسر هؤلاء الأطباء الذين تعبوا في الحصول على هذه المؤهلات والتخصصات. قد يكون إهمال الطبيب بعدم الالتزام بالمواعيد والتي لم تعد المراكز الصحية تلتزم بها، فانتظار المريض لساعات طوال مع شدة آلامه أحيانا أو لتردده عدّة مرات ومن دون أية نتائج إيجابية... قد يكون لها الأثر السلبي لتعامله بعد ذلك مع الطبيب، أو أنه لم يتلقَ آداب السلوك الحسن من بيئته أو عائلته، وهذا إفراز سيئ لسلوك مجتمعي لا يقدر الكفاءات ويستهزئ بهم، وبالتالي يجب أخذ الأمور بطريقة أكثر جدية والتزاما.
وقد يكون الطبيب حديث التخرج أو ذا خبرة محدودة نسبة إلى خبرة المريض المتدرّب على زيارة المراكز الصحية وكيفية أخذ حقوقه من الأطباء، وبذلك يتحوّل المريض إلى إنسان مماحك يحاول فيها استفزاز الطبيب والاستهزاء بخبرته المحدودة.
مهما تكن الأسباب أو المبررات لاعتداء المريض، فلنْ يوجد سبب واحد مقنع لاستخدام الضرب كوسيلةٍ للرد على أي نوع من الإهمال أو التخاذل في العلاج في مجتمع متحضر كهذا.
ان خبرة الطبيب والمدة التي تدرب فيها هي من الضروريات حتما لاحتواء مثل تلك المواقف الجافة في التعامل، ويجب إعطاؤه التدريبات الأساسية لعدم حصول مثل تلك الأزمات الاعتدائية.
إن من الواضح أن لوزارة الصحة قوانين رادعة لعقاب المعتدين وصيانة كرامة العاملين في هذه المهنة المقدسة، ولكن يبدو أنها غير صريحة أو واضحة للمراجعين. وغياب مثل هذه التوعية قد يقلل من الجدال والمماحكات التي تحدث أحيانا في العيادات وحبذا لو يشار إلى هذه القوانين بلائحات تعلق على الحائط ترنو إلى الهدوء أثناء الاستشارة لتحديد العلاقة والاحترام بين الطرفين. وما لاشك فيه أنّ احترام الأطباء للمواعيد ومراجعة كلّ بوقته الخاص من دون الالتهاء بالتليفون والثرثرة، له الأثر الكبير في احترام المريض للطبيب. كما أنّ الابتسامة والحب والحنان قد يجعلان من المريض إنسانا له تعامل آخر مع معالجه، فالطبيب الجيّد لا ينساه مرضاه أبدا.
كلمة أخيرة بالمناسبة... أينَ دور جمعية الأطباء لتفعيل قوانين حماية الأطباء؟ وأما آن الأوان لتحويلها إلى نقابة للأطباء؟ وما هو سبب كلّ ذلك التأخير؟ إنها ضرورة للمحافظة على الأطباء وحقوقهم في العمل دون أنْ يمسوا بالأذى؛ وحماية حقوقهم المهنية في عدم دخول الأجانب والاعتداء على أرزاقهم، وتحويل المهنة إلى قطاع رجال الأعمال للمتاجرة بها وبهم وتحويل الأطباء إلى عمّال بالأجر لديهم. وللحديث بقية.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ