العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ

مدرسة لبنانية تتوجه إلى العالم

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

«إذا لم تركب موجة التغيير فسوف تجد نفسك تحتها» - مثل غير معروف المصدر.

قد يكون من المفارقات أن موضع التغيير في لبنان هو مدينة صيدا الجنوبية الصغيرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وعلى رغم أنه يُنظَر إليها أحيانا على أنها مدينة مسلمة محافظة فإنها كذلك مركز لمدرسة ابتكارية مغايرة ألهمت مدارس أخرى في المنطقة للامتداد والتوجه نحو أجزاء أخرى من العالم.

تهدف مدرسة حسام الدين الحريري، التي تضم طلابا من الروضة وحتى المدرسة الثانوية، إلى توفير معرفة معمقة عن الإسلام لطلابها وتأهيلهم بمهارات للتفكير الناقد للتعلّم عن العالم حتى يستطيعوا أن يخدموا مجتمعهم بأسلوب أفضل. لهذا الهدف قامت المدرسة بالتقدّم لبرنامج تعليمي عالمي يأخذ أفضل الممارسات من المدارس كافة ويدمجها معا لإيجاد منهاج رفيع للطلبة. هذا البرنامج توفره منظمة البكالوريا الدولية ومركزها جنيف بسويسرا.

أصر على تسميتها مدرسة مغامِرة، إذ أنها تقع على بعد ساعتين بالسيارة من حدود لبنان الجنوبية مع «إسرائيل»، وقد شهدت جزءا كبيرا من النزاع بين الدولتين.

إضافة إلى ذلك فإن المدرسة تخدم مجتمعا محافظا له مهمة هي توفير المعرفة لطلابه بشأن تراثهم حتى يتمكنوا وبسرعة من العمل في مجتمع كمفكرين ناقدين ومواطنين خلاقين مبدعين. ويمكن لفكرة التغيير والانفتاح على الغرب أن تطرح علامة استفهام في هذا النوع من المجتمع. لذلك عندما يتم البحث في مشروع يتعلق بالتشبيك أو الارتباط مع منظمات غربية أو دولية، تضطر إدارة المدرسة لأن تغامر خارج الساحات المعروفة في محاولة لترويج الفكرة للمجتمع المحافظ الذي تخدمه المدرسة.

ويرد في آخر جزء من فقرة رسالة منظمة البكالوريا العالمية: «... تشجع هذه البرامج التلاميذ عبر العالم على أن يصبحوا دارسين نشطين متعاطفين طوال حياتهم، يفهمون أن الآخرين، على رغم خلافاتهم معهم، يمكن أن يكونوا على حق».

كون مجتمعنا ومدرستنا لهما خلفية إسلامية محافظة فإن هذه الجملة أثارت جدلا ساخنا بين أعضاء مجلس إدارة المدرسة. لماذا يكون «الآخرون» على حق؟ هل يعني هذا أنه يتوجب علينا التنازل عن مبادئنا وتعليم أطفالنا أن الأطفال من الديانات الأخرى يمكن أن يكونوا على حق؟

لا يمكن مساءلة مبادئ الفتاوى، بحسب منظور إسلامي عالمي متطرف، كما أن الإسلام يعتبر هو السبيل الوحيد إلى الخلاص.

يخلق هذا الحوار الساخن خلافا كبيرا في مجالس إدارة المدارس في عدد من أبرز المدارس في دول الخليج العربي إذ ينتشر هذا البرنامج بشكل واسع، فهو يشكل وصفة للتغيير تتطلب من المدارس مراجعة برامجها وتدريب مدرسيها والعاملين فيها في مجال أحدث البحوث ونتائجها وأن تثبت تقدما ملموسا.

وألهمت نظرة معمقة في تلك الجملة مدرستنا لأن تقف وترى فيها تفسيرا آخر، وفرصة لنشر وجهات نظرنا إلى العالم في تبادل ثقافي ثنائي الاتجاه. إذا كان بإمكان الآخرين أن يكونوا على حق، فنحن إذا، بخصوصياتنا وتداخلاتنا الثقافية، نستطيع أيضا أن نكون على حق. نستطيع أن نكون هؤلاء «الآخرين» المختلفين، ويستطيع الآخر كذلك أن يرانا.

وبما أننا ننتمي إلى قلة من المدارس العربية التي تشارك في هذه البرنامج، بإمكاننا توفير بعض الأفكار المعمقة القيمة للمنظمة. من وجهة نظر منظمة البكالوريا الدولية، هناك عدد قليل جدا من المدارس في العالم التي تدرّس البرنامج نفسه بلغات ثلاث: العربية والإنجليزية والفرنسية.

هناك معان ضمنية كثيرة تتعلق بأثر اللغة التي يجرى التدريس بها على قرارات المناهج. على سبيل المثال، اضطرت المدرسة لأن تخطط لتدريب المعلمين على استخدام عملية البحث والتقصي في عملية التدريس باللغات الثلاث وفي الوقت نفسه تجنب استخدام المواد التعليمية المترجمة. من ناحية أخرى يمكن للتدريس بلغة واحدة أو بلغتين أن يصقل مهارات البحث والتقصي لدى الطالب مقارنة بالتدريس بأكثر من لغة أو اثنتين.

في هذه الحال واجهت المدرسة تحديا لاستخدام أساليب تدريسية مناسبة للبحث والتقصي من دون التضحية بتعليم اللغات. تبين أن بياناتنا أثناء عملية التطبيق مفيدة جدا في توفير المعرفة للعملية التدريسية في مدارس أخرى.

تبرز قضايا الاتصال وحل النزاع إلى مقدمة النقاش المتعلق بقرارات المناهج. من خلال هذا البرنامج، ومن دون البحث عن قصد عن مواد منهجية في مجال حل النزاع، قامت عملية التطبيق بإرشادنا لتعليم الأطفال كيف يكونوا مواطنين باحثين ومتقصّين ومغامرين ومفكرين ومهتمين وأصحاب مبادئ منفتحين عقليا.

ليس بالضرورة أن يعني الانفتاح على العالم تقبل ما يقوله الغير واستهلاكه بشكل غير متفاعل. هل هناك أية مميزات أفضل نعطيها لأطفالنا وهم ينمون ويتعلمون وينجحون كراشدين في هذا الجزء من العالم الذي يحتدم فيه النزاع والاضطراب السياسي؟

*مديرة مدرسة حسام الدين الحريري للمقاصد الثانوية في صيدا بلبنان، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً