العدد 2021 - الثلثاء 18 مارس 2008م الموافق 10 ربيع الاول 1429هـ

أحزان طلال سلمان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جاء من بيروت الجميلة إلى بيت الزايد بالمحرق ليبث همومه وأحزانه، فهو يحمل على ظهره أثقال خمسين عاما من العمل في «مهنة المتاعب». ما كلّ قلمه وما توقف رغم المدلهمات، وسجّل شهادته قائلا: «إنها مهنةٌ نبيلة، ومن لا يعشقها سرعان ما سيتخلى عنها».

كثيرٌ من البحرينيين يعرفونه ويتابعونه، فسفيره هي صوت العرب في لبنان... وهو يعرف البحرين جيدا. فهو الذي قال لإحدى الإذاعات بداية انتفاضة التسعينيات: «إنها ليست ابنة اليوم... ولن تتوقف غدا».

كان قارئا ومتابعا جيدا للحدث البحريني، فهو يعرف مكانة هذه الجزيرة وأهلها قديما: «إننا نحتفظ للبحرين منذ الخمسينات بصورة أكثر إشراقا من بقية أقطار الخليج الأخرى، وقد أتاحت لي مهنتي أن التقي الكثير من البحرينيين، من كتاب وشعراء وأدباء ومناضلين حالمين».

حين بدأ بالحديث عن الصحافة سيطرت على صوته نبرة الأحزان. هو مجبرٌ على المقارنة بين أحوالها يوم كتب مقاله الأول في 1957، ويوم كتب المقال الأخير. تحدّث عن تراجع أعداد القراء وتسطيح اهتماماتهم، وسيطرة رأس المال وتحكّم المعلنين. ولم يفته أن يعترف بأن الصحافة العربية لا تقوم بدورها المطلوب، فهي قاصرةٌ غالبا، ومقصرّة أحيانا.

قارن بين نوعين من الصحف، صحف السلطة التي ينشئها أو يسيّرها الحاكم بقوة سيفه أو بذهبه، أو بهما معا... وصحف الشعب التي يكافح ويعمل بها أشقى أنواع الصحافيين، ألم يقل المتنبي يوما: «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله؟».

لما وصل إلى الحديث عن الوضع العربي المنهار، الرديء، المتواطئ، المتخاذل، لم يجد غير السخرية سلاحا، فبعض عرب اليوم يأسف لأن شارون دخل في غيبوبة، ولأن باراك خسر منصبه وزيرا للدفاع الإسرائيلي. عرب اليوم لم يتمنّوا أن ينتصر حزب الله في تموز 2006 على «إسرائيل». كانوا على عجلةٍ من أمرهم، يريدون مسح «المقاومة» من الوجود، والإجهاز على قضية فلسطين ليرتاحوا بالثروات الهائلة التي أخذت تتدفق كالمطر، فـ «يا أخي... نريد أن نعيش ونرتاح ونتنعّم بخيرات النفط الجديدة».

على رغم النظرة المتشائمة للوضع العربي، وما يتعرض له وطنه الصغير من ضغوط عربية ودولية، وبوارج ترابط على حدوده الغربية لترهيبه، فإنه لم يفقد الأمل. كل من يعرف التاريخ يدرك أن هذه الحقبة السوداء لن تستمر، وأن الفجر لابد أن يطل مهما تأخر. استشهد بالفلسطينيين الذين ما فتئوا يقاتلون ستين عاما منذ إعلان «إسرائيل»، وما سبقها من كفاح لمدة عشرين عاما أخرى... هؤلاء أطفالهم مازالوا يحملون الحجر ويقاومون.

سألوه عن صديق عمره ناجي العلي وسرّ هجرته إلى لندن حيث لقي حتفه، فكشف أنه كان خيارا شخصيا بحتا، فناجي بشر، وهناك مطالب عائلية ملحة للاستقرار وتربية الأبناء مثل بقية خلق الله، بعد سنوات من المنافي والشتات.

وأخيرا... تحدّث عن نفسه، ربما شعر أنه أثقل في بث أحزانه ومتاعب مهنته، وربما ليخفّف من درجة اليأس التي سادت، وربما ردا على صحافية أعلنت يأسها واستسلامها بعد عشرين عاما (فقط) من العمل، فقال: «أنا عنيدٌ، مكابرٌ، مصرٌّ على رأيي، وعلينا أن نعمل قدر الطاقة. واقعنا بائسٌ مرٌ ومقرفٌ، لكن علينا أن نواجهه».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2021 - الثلثاء 18 مارس 2008م الموافق 10 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً