العدد 2291 - السبت 13 ديسمبر 2008م الموافق 14 ذي الحجة 1429هـ

بين البحرين وسنغافورة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قضيت إجازة عيد الأضحى المبارك في سنغافورة، وبعد التجول في ربوع هذه الجزيرة الصغيرة، وجدت نفسي، في حوار صامت مع الذات، بين الأرخبيلين: البحريني والسنغافوري، أرغمت بعدها على لعق جراحي والاكتفاء بالصمت، كي لا أبوح، بل لا أصارح حتى النفس، بما اجتاحني من ألم وحسرة، لكني أخيرا وجدت ضرورة أن أشارك القارئ فيها.

أوجه التشابه بين البحرين وسنغافورة كثيرة يمكن تشخيص أهمها على النحو الآتي:

1 - المكونات الجغرافية: فسنغافورة، كما البحرين، مجموعة متناثرة من الجزر لا تتجاوز مساحتها مليون متر مربع، لكن الفرق بينها وبين البحرين، أنها حولت أهم تلك الجزر وأكبرها مساحة إلى ما يشبه المنتجعات السياحية التي أقامت عليها الكثير من البرامج الترفيهية.

مقابل ذلك، كان أول ما قمنا به هو تحويل العاصمة (المنامة) إلى غابة من الاسمنت المسلح قضت على الخضار الذي كان يمد البحرين بشيء من التميز الذي شكل الرئة الطبيعية التي يتنفس السكان من خلالها. ولم نحول أيا من الجزر الأخرى إلى أي مشروع سياحي يجلب الزوار ويشكل دخلا إضافيا للبلاد.

وفي السياق ذاته، يمكن الحديث عن الخدمات السياحية التي توفرها المنتجعات التي تنتشر على السواحل السنغافورية، في حين يبحث المواطن البحرين، قبل السائح، عن شاطئ محلي يقضي فيه إجازة نهاية الأسبوع مع الأسرة أو الأصدقاء.

2 - المكونات السكانية: تتعايش فوق أراضي سنغافورة 3 أجناس بشرية من أعراق مختلفة، هي الصيني، والهندي والمالي، نجحت سينغافورة، بخلاف دول آسيوية أخرى في صهر تلك الأعراق في بوتقة سنغافورية واحدة من دون التضحية بكل ما يميز عرقا عن الآخر.

أما نحن، ففشلنا، أن نؤلف بين طائفتين، تنتميان كلتاهما إلى العروبة كعرق والإسلام كدين.

3 - الموارد الطبيعية: تفتقد سنغافورة إلى أي من الموارد الطبيعية، فكل ما يجده الإنسان فيها مستورد. وبدلا من البكاء على أطلال ذلك العجز، شرعت سينغافورة في البحث عن مصادر لتنويع مصادر الدخل وتعزيزها، فاتجهت نحو مواردها البشرية، إذ شكلت جيشا من المؤهلين مهنيا خرجتهم الجامعات ومعاهد التدريب المنتشرة في كل مكان، وأكثر من ذلك، أقامت صناعة ملاحية تعتمد على حركة ميناء تنافس مثيلاتها في موانئ عالمية من مستوى هونغ كونغ، ووصل الأمر بها إلى الدخول في مناقصات عالمية لشراء شركات إدارة موانئ عالمية من نمط شركة بي أند أو (B & O) البريطانية. ويشار هنا إلى أن سنغافورة تعتمد على اليد العاملة الوافدة، لكنها تختارها من بين الأفضل مهارة والأفضل تعليما.وعلى النقيض من ذلك كانت البحرين فوجدناها في تراجع مستمر فيما يتعلق بمهارات مواردها البشرية التي كانت في الستينيات من أفضل المهارات البشرية في المنطقة، وكان ذلك جراء تراجع مستوى التعليم، ناهيك عن التدريب... وحتى الجامعات الخاصة التي انتشرت في السنوات السبع الأخيرة، وجدنا الكثير منها، ولا نقول جميعها، حتى لا نظلم البعض الجيد منها، يتحول إلى مؤسسات تبحث عن الربح السريع، بدلا من التركيز على المستوى العلمي أو الأكاديمي. أما من يبحث عن خانة للتميز الإقتصادي، فعلى رغم أن البحرين كانت سباقة، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وعلى المستوى الخليجي، إلى بناء صناعة ملاحية كانت جيدة، وكان من أبرز معالمها «فرضة المنامة»، ثم ميناء سلمان، فإنها جمدت عند تلك الحدود، بينما سبقها الآخرون مثل ميناء دبي.

ولم يكن حظ الملاحة الجوية بأفضل من البحرية، فقد فقد مطار البحرين الكثير من ديناميكيته، ومن ثم حركة الملاحة فيه لصالح مطارات إقليمية مجاورة، من أبرزها مطار دبي لحركة المسافرين، والشارقة للشحن الجوي.

هناك قائمة طويلة من أوجه المقارنة يمكن سردها، لكني أكتفي بهذا البعض منها عله يحرك شيئا من عوامل الغيرة الإيجابية التي تتحول إلى رؤية مستقبلية مسئولة وواقعية، تنتشل معها البحرين من حالتها الاستاتيكية الراهنة إلى حالة ديناميكية قابلة للنمو والتطور.

وبعد، لابد من التأكيد أن ليس هناك حالات متطابقة في التاريخ، لكن هناك تجارب إنسانية عالمية أنجحت بلدانا معينة، وليس هناك ما يمنع أن تستفيد منها بلدان أخرى. فهل نستفيد نحن في البحرين من التجربة السنعافورية قبل فوات الأوان

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2291 - السبت 13 ديسمبر 2008م الموافق 14 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً