تناولنا في الحلقة الأولى من حقيقة انتشار الجنس الثالث في البحرين، تحليلا مفصلا عن ظاهرة الجنس الثالث المنتشرة بمملكة البحرين. وتطرقنا إلى تعريفها من منظور علمي، حتى لا يخفى على أحد التفريق بينها وبين ما تصفه وزارة التربية والتعليم بـ «الحالات فردية». وعرجنا على تحليل الظاهرة من منظور المجتمع، ووجود الظاهرة على أرض الواقع، ورؤية الناس لظاهرة المتشبهين والمتشبهات. وكما قلنا في السابق إن الوزر لا يقع على وزارة التربية والتعليم وحدها؛ وإنما جزء منه على الأسرة والمجتمع البحريني وقطاعات حكومية أخرى. وإن كنا نبحث اليوم في الأسباب والعلاج، فإننا نحاول فتح نافذة للمتشبهين والمتشبهات لمحاولة التعديل في سلوكهم أو طلب المساعدة من ذوي الاختصاص، وكما قال لي أحد الإخوة إن الموضوع أكبر من إثارته بمقال أو مقالين؛ بل يحتاج إلى جهود صحافية وإعلامية تثير نقاطا يقرأها المجتمع وعندها تكون الفائدة المرجوة من طرق الموضوع. نأتي الآن على ذكر الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة، ونحصر بعضها في الآتي (كمنظور علمي):
أولا: الأسباب الفردية
1 - ضعف الوازع الديني لدى الفرد، وعدم الاهتمام بالصلاة والمحافظة عليها.
2 - مجالسة أو مصاحبة رفاق السوء، والتعلق بهم بطريقة خاطئة بحيث تثير الريبة والشك عند الآخرين.
3 - الشعور بالفراغ، وعدم استغلال الوقت وإهداره بطريقة تؤدي إلى تعلق الفرد بأمور ليس له شأن فيها.
4 - حب التقليد الأعمى، وعدم تدخل الأهل في الملبس أو الشكل.
5 - السهر خارج المنزل، حيث انعدام الرقابة خارج المنزل يؤدي إلى نشوء بعض السلوكيات الخاطئة والتي لم يتم توضيحها منذ البداية.
6 - الهموم والمشكلات الاجتماعية العالقة والتي لا يتم علاجها بطريقة سليمة.
ثانيا: الأسباب الأسرية
1 - القدوة السيئة من قبل أحد الوالدين أو كلاهما، ففي بعض الأحيان يرى الطفل الكثير من الأمور تحدث أمام عينيه، ولا يستطيع البوح بها، فيكبر على قدوة تحطمه، وتعمل على تخريب النسق القيمي الموجود لديه، فيقلد ما يراه من سلوكيات يمارسها الوالدان أو أحدهما.
2 - انشغال الوالدين عن الأبناء وغياب الرقابة والمتابعة، وهي من الأسباب العظيمة جدا في خراب البيوت وخراب الأبناء، فكثير من المتشبهين والمتشبهات متعطشات إلى الحب والحنان ليس إلا، واليوم أصبح آخر مكان لإشباع هذه العاطفة - للأسف الشديد - هو المنزل. وذلك بسبب انشغال الوالدين بأعمال كثيرة وغير مهمة.
3 - القسوة الزائدة على الأبناء، فالضرب والتجريح والتهديد أنواع من المعاملة الخاطئة والتي يعاقب عليها القانون في تربية الأبناء، وخصوصا نحن نتكلم عن الإرهاب الفكري في كل مكان في البحرين، والتي أولاها تجريح الطفل وترهيبه داخل الأسرة التي من المفروض تمنحه الحنان والإشباع العاطفي.
4 - التفكك الأسري وعدم وجود الروابط العائلية وخصوصا في حالات الهجر الزواجي والطلاق؛ إذ أثبتت دراسة قامت بها جمعية الاختصاصيين الاجتماعيين الأميركية أن نسبة كبيرة من المتحولين عندهم إلى الجنس الآخر، هم من أسر متصدعة ومفككة ما يؤثر سلبا في تكوين شخصية الابن.
ثالثا: الأسباب الاجتماعية
1 - العمالة الأجنبية بتأثيريها السلبي والإيجابي على الأسرة البحرينية.
2 - ضعف الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام المختلفة.
3 - غياب رسالة المدرسة في التحفيز والتعزيز واستخدام أساليب ناجحة في الوقاية أو العلاج.
فترة المراهقة هي أكثر الفترات التي يشكل فيها الفرد شخصيته، وأكثر الفترات التي يخرج فيها الفرد عن المعتاد من العادات والتقاليد، والمدرسة هي المكان الذي يقضي فيه المراهق أو المراهقة معظم أوقاتهم فيها، لذلك فإن السلوك المنحرف يتم رصده في غالب الأحيان بين جدران المدارسة. يجب أن تأخذ وزارة التربية والتعليم على محمل الجد اهتمام أولياء الأمور وإدارات المدارس في علاج المتشبهات والمتشبهين حتى لا ينعتهم أحد بالقصور أو التسيب.
من أجل ذلك، فإنه على وزارة التربية والتعليم تفعيل دور المرشد الاجتماعي والاختصاصي النفسي وزيادة رقعة صلاحياتهما، وتكثيف الدورات التدريبية التي تساعدهم وتؤهلهم للعلاج الصحيح، والذي بدوره يعين المرشدين الاجتماعيين في المدارس على استخدام البرامج الوقائية التنويرية للطلبة والطالبات وأولياء الأمور؛ ذلك للحد من هذه الظاهرة داخل المجتمع المدرسي التي باتت تؤرق ولي الأمر، فغياب دور المرشد الاجتماعي وضياع دوره في الأعمال الإدارية تؤدي إلى بزوغ بعض المشكلات التي تتحول في نهاية المطاف إلى ظواهر اجتماعية. وفي هذا النسق، فإنه من الممكن أن تتقدم مسألة الوقاية والعلاج لهذه الظاهرة خطوات إلى الأمام طالما تضافرت جهود الوزارات والجهات العامة ومؤسسات المجتمع المدني.
إن خير وسيلة للقضاء على هذه الظاهرة هي مناشدة الأسر البحرينية من أجل وقاية أبنائها عن طريق التنشئة الاجتماعية السليمة لهم، والوعي الصحيح بهذه الظاهرة الخطيرة. وكذلك تنبيهها بمخاطبة المختصين والمسئولين من أجل احتواء الظاهرة أو رسم آليات علاجها، وهنا لابد أن يكون ماثلا بأذهاننا مقولة لطبيب مشهور في الولايات المتحدة الأميركية مطلعها: «الطبيب الناجح هو الذي يمنع المرض». والمسئول الناجح هو الذي يبدأ برسم الخطط والبرامج الوقائية ليمنع من ازدياد ظاهرة المتشبهين والمتشبهات.
لابد في البداية من الاعتراف بهذه الظاهرة ومن ثم توحيد الجهود من أجل وضع آليات الوقاية والعلاج والتي تساعد هذه الفئة على تعديل سلوكها، والتوجه ناحية سلوكيات تتسق وقيم المجتمع وأخلاقياته.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2021 - الثلثاء 18 مارس 2008م الموافق 10 ربيع الاول 1429هـ