من المؤسسات الرقابية وأهمها هو مجلس النواب، حيث أداء النواب من شروط بلوغ أهدافه الرقابية على السلطة التنفيذية, إن تتوافر السلطة والقدرة والرغبة في مراقبة السلطة التنفيذية, ولمواصلة دور المجلس الرقابي يجب السماح له بالحصول على أكبر قدر من المعلومات عن أداء السلطة التنفيذية إذ إنه من دون هذه المعلومات يستحيل على النائب المراقب القيام بمهماته. ولكن الرغبة الرقابية لدى بعض النواب تتأثر بالأجواء السائدة في البلاد أي خارج نطاق البرلمان, ومن جهة أخرى الظروف العامة التي يعمل بها البرلمان إذ جهوزية النواب للقيام بدورهم الرقابي تتأثر بعوامل موجودة خارجة, ومنها الثقافة السياسية السائدة. وتوفر الثقافة السياسية المناخ أو الخلفية الفكرية التي تتكون فيها نظرة المواطن إلى مجلس النواب ومدى استعداده للتعاون معه هذا بجانب الأوضاع السياسية الفعلية التي تعيشها البلاد من ناحية التطور الديمقراطي وتفاسيره لدى بعض الساسة. ومن هنا دعونا نلقى نظرة على بعض الممارسات التي لمسها الشارع العام في الفترة السابقة وهنا أردنا التنظير لهذا الحراك لدى الشارع لا غير، إذ إن ما لمسناه من غرض الأسئلة الموجهة من قبل بعض النواب والكتل هو ليس الوقوف على الحقائق بصورة مجردة بل هو خدمة لأهداف سياسية للجهة التي توجه السؤال, فالمجلس يعتبر توجيهه الأسئلة وسيلة لمحاسبة الحكومة ووضعها على المحك, وبعض النواب يرغبون عادة في تسليط الأنظار على قصور الجماعة الحاكمة, أو قد يرغب نواب آخرون من تقديم الأسئلة للتركيز على وزير معين بقصد إخراجه من الحكومة أو ردعه عن تنفيذ مشروع أو برنامج يرى فيه أولئك النواب تهديدا للقيم والمشروعات التي يحملونها, ونواب آخرون فإنهم يرمون أحيانا من وراء تقديم الأسئلة إلى إفساح المجال أمام الحكومة لعرض منجزاتها وللتأكيد على نجاحهم في إدارة البلاد وللإشادة بهذه المنجزات والنجاحات إلا أنه قد تكون لهذه المجموعة أهداف أخرى يتوخون تحقيقها من وراء الأسئلة في البرلمان.
وهنا لا نقصد التشكيك ولكن أردنا التنظير لما هو حاصل إذ من المفترض أن يوفر العمل الرقابي البرلماني ومنه تقديم الأسئلة فرصة للنواب لكي يعبروا عن مصالح الفئات الاجتماعية التي يمثلونها في البرلمان إذ إن ظروفهم تسمح لهم بالاضطلاع على أوضاع هذه الفئات والوقوف على حاجاتهم, كما أن تجربتهم في الحقل العام تسمح لهم في بلورة مطالب هذه الفئات الاجتماعية.
وتبين بعض الأسئلة الموجهة فاعلية ذلك، إذ بلغ عدد الأسئلة الموجهة للحكومة من الدور الأول إلى تاريخه 96 سؤالا: الصناعة والتجارة 5 أسئلة، الأشغال والإسكان 14 سؤالاَ، التنمية الاجتماعية 7 أسئلة، التربية والتعليم 8 أسئلة، الصحة 5 أسئلة، شئون مجلس الوزراء 8 أسئلة، الإعلام 5 أسئلة، «البلديات» 9 أسئلة، المالية 12 سؤالا، الكهرباء سؤال واحد، العدل والشئون الاجتماعية 7 أسئلة، النفط والغاز 6 أسئلة، العمل 3 أسئلة، الداخلية 5 أسئلة.
وفي المقابل من المعاضل التي يوجهها البرلمان الرقابي هو قصور اللجان حيث من المعلوم أن البرلمان بلجانه هو البرلمان إذ من المفترض أن تكون هذه اللجان قلب البرلمان ولكن ليس بالوضع التي هي عليه الآن ولتأكيد هذا الوصف من المفترض أن يكون هناك نوعان من اللجان اللجان الدائمة أو النوعية التي يراعى في تصنيفها الاختصاص, ولجان تقصى الحقائق وهي إدارة الرقابة التي تشكل في حالات محددة يحدد فيها المجلس حاجته إلى الاضطلاع بصورة مباشرة بأعمال الاستقصاء والاستطلاع لتجميع معلومات وحقائق عن أمر عام له أهمية خاصة أو لفحص أداء وزارة معينة ولكن! (هذه اللجنة غير محددة المعالم).
إذ يعتقد بعض النواب من دون هذه الآلية كلما ازداد النائب انتقاده للحكومة شعر بأنه يلقى قبولا لدى الناخبين باعتباره أو تصنيفه من بين المترشحين الأقوياء, وقد شن غيره هجوما قويا على الأداء الحكومي وأجمعوا على فشلها في حل القضايا الجماهيرية مثل الإسكان والتوظيف, ومثلما أجمعوا على وصف الحكومة بالفشل فإنهم أجمعوا على ضرورة وجود حكومة قوية! كما تناولت الكتل النيابية القضية الاقتصادية في مفردات عامة مثل أصلاح أمورنا الاقتصادية (دخل الفرد) ولم يتناولها بشيء من التفصيل كالمطالبة بضرورة البحث عن بديل للدخل لا يعتمد على النفط كمصدر أوحد للدخل, إذ لم نسمع عن تصنيف المشتقات النفطية, أو تشجيع صناعة السياحة العائلية, أو منح القطاع الخاص دورا أكبر في عملية التنمية أو أنشاء الشركات الخدمية التي تخدم المنطقة باستقطاب شركات ذات تخصص والبناء عليها للاستفادة من المخزون التعليمي والثقافي الذي يتميز به شعب البحرين ناهيك عن المكتسبات الشعبية التي يترقبها الناخب والمتمثلة في تعديل قانون التأمينات وزيادة الرواتب وحق المواطن في الحصول على المسكن الحكومي وقيام الحكومة بإيجاد فرص عمل ورعايته صحيا وعلاجه في الخارج عند الحاجة من دون واسطة أو مكرمة!.
في الوقت الحالي يتباهى بعض الساسة بتوفير فرص العمل في الوقت الذي تتوافر فيه فرص العمل ذات الأجر المنخفض الذي تستفيد منة العمالة الوافدة في الغالب وهذا ما يغيب عن السادة القائمين على أصلاح سوق العمل ووزارة العمل والتنمية الاقتصادية أو خبرائهم، ومن جهة أخرى عدم تناغم الوافر السعري من النفط بتوفير فرص عمل تتماشى مع التنمية الاقتصادية للفرد (فرص العمل ذات الأجر المرتفع). هذا هو الوضع المأسوف عليه تحت قبة البرلمان والسؤال الأبرز ما هي الحلول التي ممكن أن تأطر كل ما ذكر هل تتمثل في نوعية اختيار الناخب أو أجندة الكتل أو صراعات الكتل لحسم الأولويات أو طريقة السلطة التنفيذية في معالجة القضايا العالقة مع السلطة التشريعية, والجواب الأقرب لكل هذا أن المسئولية مشتركة ولا يمكن تجاوز أي تأزيم من دون وضع مصلحة المواطن (الناخب) من أولويات الأمور المطروحة هذا بجانب إعادة جدولة المفاهيم الدارجة لدى البعض بأن هناك شريحة الأقوياء وشريحة الساعين إلى القوة أو الشريحة السياسية والشريحة غير السياسية حيث الأداء النيابي ليس مسألة مكاسب سياسية بقدر ما هي مكاسب شعبية واجتماعية.
بما أن حياة المجتمعات داخل الوطن الواحد جمع وطرح وقسمة فليكن شعار العمل النيابي جمع وتقريب وجهات النظر وطرح الأنانية والتعصب وقسمة العمل الإيجابي بالتساوي.
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 2021 - الثلثاء 18 مارس 2008م الموافق 10 ربيع الاول 1429هـ