حزمة من القرارات تنوي الولايات المتحدة اتخاذها قبل انتهاء عهد جورج بوش في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل. فالإدارة الأميركية التي تمر في مرحلة انتقال أخذت تبرمج خطوات المغادرة تحت مظلة دولية قادرة على التدخل اضطراريا لمنع انهيار أحجار الدومينو في دائرة «الشرق الأوسط الكبير».
الحزمة تشتمل على أربعة ملفات ساخنة وتضم أوراق المسألة الفلسطينية وتفرعاتها وتبعاتها، أمن الخليج وأسلوب التعامل مع مشروع التخصيب النووي الإيراني، أمن التجارة الدولية وخطوط النقل والمواصلات في المحيط الهندي وبحر العرب وساحل الصومال، وأمن العراق بعد إنهاء مهمة القوات المتعددة الجنسية في ضوء توقيع «الاتفاقية الأمنية» مع حكومة نوري المالكي.
الملف الفلسطيني هو الأساس ويشكل تقليديا أولوية في المشروع العربي الذي تم توضيحه في قمتي بيروت والرياض بإجماع من الدول العربية. وهذا الملف الحيوي الذي تعرض للإهمال والتجميد خلال عهد بوش بذريعة أن مهمة «ملاحقة الإرهاب» تحتل المقام الأول في جدول الأولويات الأميركية عاد ليأخذ موقعه في السنة الأخيرة بعد عقد مؤتمر «أنابوليس». إلا أن المؤتمر الذي خرج بتعهدات أصطدم بعقبات إسرائيلية تمثلت بالتلاعب على المسارين السوري والفلسطيني واستغلال الانقسام الفلسطيني وتوظيفه للتهرب من الالتزامات الدولية. الآن وبعد مضي الوقت ودخول الإدارة الأميركية في حال من الغيبوبة تحركت واشنطن في اللحظات الأخيرة ودعت اللجنة الرباعية الدولية للاجتماع في نيويورك بقصد التوافق على قرار يتوقع صدوره الاثنين المقبل عن مجلس الأمن وينص على مشروع الدولتين وتحقيق السلام في المنطقة.
ملف الخليج يشكل النقطة الساخنة الثانية في جدول الأعمال. ويشمل الملف مجموعة أوراق تتصل بالممرات المائية وخطوط الإمداد وحقول النفط وأمن الدول ودور إيران ونفوذها الإقليمي ومسألة الطاقة النووية السلمية ومشروع تخصيب اليورانيوم. ويرجح أن تتناول القمة الدولية التي ستعقد يوم الثلثاء المقبل في نيويورك لمناقشة «أمن الخليج» مشكلة التوتر الإقليمي وما تعكسه تلك التصريحات الإيرانية ضد دول المنطقة من قلق لا يساعد على الاستقرار والحوار ومد جسور الثقة.
ملف القرصنة وتهديد الشحن الدولي قفز في الأسابيع الأخيرة سلسلة درجات ليحتل أولوية في الدبلوماسية الأميركية - الأوروبية. فهذا الملف يشتمل على مجموعة أوراق تمتد من سواحل الصومال والدور الإفريقي في صيانة الأمن الإقليمي إلى بحر العرب والمحيط الهندي وصولا إلى باب المندب والبحر الأحمر. ومشكلة ملف القرصنة أنه أخذ يتجه بسرعة إلى التدويل في وقت تبدو الدول المعنية مباشرة بتهديداته غير مستعدة على مواجهة احتمالات غير محسوبة تقلق المنطقة وتزعزع استقرارها. واللافت في موضوع القرصنة عدم وضوح الموقف الأميركي بالتعامل معه. فمن جهة تطلق وزارة الدفاع (البنتاغون) تصريحات تشير إلى التعاطي الدبلوماسي وعدم اللجوء إلى القوة ومن جهة أخرى تضغط واشنطن على مجلس الأمن للاجتماع وإصدار قرار يعطي صلاحية قانونية باستخدام القوة. وهذا التعارض كشف عنه قائد الأسطول الخامس في منطقة الخليج والمحيط الهندي حين دعا الأمم المتحدة إلى التحرك حتى يمتلك شرعية دولية للتدخل ومطاردة القراصنة في البحار وداخل الأراضي الصومالية.
العراق وأمن الخليج
ملف أمن العراق بعد توقيع «الاتفاقية» مع حكومة بغداد بدأ يحتل موقعه الخاص بعد أن نجحت واشنطن في انتزاع وثيقة تعطي صلاحية لقوات الاحتلال بالتحرك خارج المظلة الدولية. فالاتفاقية الأمنية التي ترعى عن بعد الوجود الأميركي العسكري لفترة 36 شهرا تنظم في الآن التساكن بين النفوذ الإيراني والاحتلال في بلاد الرافدين. وتنظيم عملية التعايش شجع واشنطن على مطالبة مجلس الأمن للاجتماع ودعوته إلى إنهاء مهمة القوات المتعددة الجنسية في العراق وشطب ملفه من الفصل السابع ما يعني رفع الغطاء الدولي رسميا قبل نهاية السنة الميلادية الجارية وترك الساحة مفتوحة للمفاوضات تحت مظلة ضمان أمن الجيش الأميركي.
الملفات الأربعة التي تحث إدارة بوش على تقنينها دوليا قبل انتهاء موعد مغادرتها البيت الأبيض تدل على وجود ترابط بينها خلال فترة ولاية الرئيس المنتخب باراك أوباما. فالملفات واسعة في إطارها الجغرافي ومظلاتها تشمل منطقة مترامية الأطراف تمتد من المحيط الهندي إلى منطقة الخليج والعراق وتنتهي في فلسطين ومداخل البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
هذه الدائرة الأمنية الموسعة تشكل منطقة عمليات مفترضة في حال صدرت عن مجلس الأمن سلسلة قرارات دولية تشير إلى ترابط الملفات الأربعة. وعملية الربط الأمني التي تسعى إليها الإدارة الأميركية تحتاج إلى موافقة دولية تعطي ذاك الغطاء الشرعي للتدخل واستخدام القوة إذا اقتضت الحاجة وتحتاج أيضا إلى قابلية إقليمية تمتلك ذاك الاستعداد المطلوب لتشريع التدخل الدولي.
في الاتجاهين تبدو الأمور غير واضحة في معالمها الدولية كذلك غير ناضجة إقليميا للتعامل مع فرضية أمنية تمتد على طول «الشرق الأوسط الكبير» وعرضه. الملف الفلسطيني مثلا يمر في لحظات صعبة حتى لو تم التوافق على عقد لقاء رئاسي بين بوش ومحمود عباس في واشنطن ليلة مغادرة الإدارة البيت الأبيض. فاللقاء لن يقدم أو يؤخر وخصوصا أن «إسرائيل» تعيش فترة مزايدات انتخابية بين رئيسة حزب «كاديما» تطالب بطرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة في 1948 ورئيس تكتل «الليكود» لا يعترف بالسلطة الفلسطينية ويرفض إعادة الجولان. وملف القرصنة الذي يشتت الانتباه ويوزع الأمن على مناطق جغرافية واسعة لا يمكن احتواء تداعياته من دون حل لمشكلة الفوضى في الصومال ومحيطه تحت رعاية إقليمية تقودها دول البحر الأحمر والقرن الإفريقي. وملف أمن الخليج لا يمكن قراءة تفصيلاته من دون إطلاع دول المنطقة على الطابع السياسي وطبيعة تلك اللقاءات «الفنية» و«التقنية» التي تعقد علنا وسرا في بغداد بين طهران وواشنطن.
فالملف الخليجي مترابط مع أمن العراق وهذا يتطلب فتح تلك الأوراق المتداولة بعيدا عن أنظار ومصالح دول المنطقة التي تعتبر أكبر الأطراف معنية بمصير بلاد الرافدين ومستقبلها خلال الفترة الزمنية التي نصت عليها «الاتفاقية الأمنية».
المسألة إذا في جوهرها مترابطة سياسيا وهي تحتاج إلى مراجعة نقدية من زوايا مختلفة تتجاوز عقدة الأمن لأنها تتصل بالمصالح والمواقع والجغرافيا والمجال الحيوي للقوى الإقليمية. وهذا الترابط الجغرافي - السياسي يتطلب فعلا قرارات لا تكتفي بإعادة إنتاج سياسات سابقة وإنما تؤسس قواعد عمل لآليات تحترم الحقوق وتوازن المصالح وترفض تكتيك التضحية بأمن الدول واستقرار شعوبها لحسابات أمنية مؤقتة تعطي ذريعة للدول الكبرى أن تتقدم ميدانيا تحت مظلة القوانين الدولية وشرعية الأمم المتحدة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2291 - السبت 13 ديسمبر 2008م الموافق 14 ذي الحجة 1429هـ