المنتدى العربي الثالث للصحافة الحرة المنعقد في بيروت ما بين 12 و13 ديسمبر/ كانون الأول الجاري شهد العديد من المداخلات والاستعراضات التي أوضحت أن المشهد الصحافي العربي لم يتقدم في جانب الحريات والتقنيات التي تدفع بهذه الصناعة في باقي دول العالم إلى مستويات راقية إنسانيا. فالحكام العرب الذين يختلفون على كل شيء تراهم متوحدين في قمع حرية التعبير، ولا ترى اجتماعا عربيا يحصل على اتفاق متناغم إلا إذا كان اجتماعا لوزراء الداخلية العرب الذين وقعوا اتفاقا في العام 1998 لقمع المجتمعات، أو إذا كان اجتماعا لوزراء الإعلام العرب الذين اجتمعوا في 2008 (بعد عشر سنوات من اجتماع وزراء الداخلية) ووقعوا على اتفاق أسموه ميثاقا عربيا للإعلام بهدف قمع الصحافة والمواقع الإلكترونية والفضائيات والإذاعات وجميع الوسائل التي أنتجتها الإنسانية بهدف رفع كرامة الإنسان وتمكينه من إبداء رأيه.
المؤتمر بدأ بإعلان أسماء الصحافيين ومدوني المواقع الإلكترونية التي منعتهم حكوماتهم من الحضور إلى المؤتمر، ثم تطرق إلى حالات من كل بلد عربي ليس فيها ما يفتح النفس على الفضاء الرحب لعالم الصحافة المتطور في كل مكان.
أحد المداخلين احتج على عنوان إحدى الجلسات التي أشارت إلى الأساليب «الملتوية» لإعاقة الصحافة العربية، قائلا إن الأساليب أساسا «غير ذكية»، فالالتواء يحتاج إلى الذكاء، ولكن الله ابتلى الأمة العربية بحكومات غير ذكية وهي لا تحتاج إلى أن تستخدم عقلها لأن العقل والكلمة من المحرمات الكبرى التي يعاقب عليها الإنسان في وطننا العربي الكبير.
بعض الحضور أشاروا في أحاديث جانبية إلى عدد من الحاضرين الذين جاءوا إلى المؤتمر بهدف كتابة تقارير إلى مسئوليهم في أجهزة الأمن، والبعض أشار إلى أن حكومته أرسلت خلفه سيدة تجلس على طاولة بالقرب منه في مطعم في منطقة الروشة، وأن هذه السيدة كانت تتمظهر وكأنها لبنانية، لكن ماكياجها وتدخينها واضطرابها ووجهها يدل عليها، وخرجت مرتبكة بعد أن أخبرها شخص لبناني (يبدو أنه يعمل معها في المهمة نفسها) أن وضعها أصبح مكشوفا لمن تراقبه بسبب قلة ذكائها.
التراجع الحضاري لوطننا العربي تعود جذوره إلى خوف الماسكين بزمام الأمور من عقل الإنسان، ومن الكلمة التي تنطلق من عقل الإنسان، ومن حرية التعبير وحرية البحث وحرية الصحافة المعبرة عن آمال وتطلعات المجتمع... ولأن هؤلاء يخافون من العقل فإنهم ليسوا أذكياء، وهم يعتقدون أن ما لديهم من بطش وإمكانات مادية ستمكنهم من الانتصار على العقل الإنساني وتحويل الناس إلى قطيع من الغنم تعطى الطعام لتسمن ثم تقطع رقابها وتؤكل. إنها أساليب عربية غير ذكية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2291 - السبت 13 ديسمبر 2008م الموافق 14 ذي الحجة 1429هـ