أعرف أن الكثيرين في عالمنا الإسلامي والعربي لم يعودوا يثقون بتلك الاجتماعات الكثيرة التي يعقدها زعماء بلادهم، ولهم الحق في ذلك فهم لا يكادون يرون شيئا ذا قيمة في هذه الاجتماعات، بل إن حال العرب والمسلمين يزداد سوءا يوما بعد يوم ولم تستطع تلك الاجتماعات الكثيرة أن تجعل حالهم أفضل سواء أكان هذا الحال سياسيا أم اجتماعيا أم اقتصاديا.
ومع هذا كله، ليس أمام المسلمين إلا أن يوحدوا جهودهم، ويستحثوا زعماءهم بكل الوسائل على تحسين حال أمتهم، وجعلها تقف مع الأمم الأخرى على قدم المساواة إن تعذر أن تكون أفضل من سواها.
في نهاية الأسبوع الماضي اجتمع زعماء وممثلو 57 دولة إسلامية يمثلون مليارا و300 مليون مسلم تحت مظلة مؤتمر القمة الإسلامية. وهذه المنظمة تعد ثاني أكبر منظمة عالمية بعد هيئة الأمم المتحدة. وكان الاجتماع في دكار (عاصمة السنغال). ومن البدهي أن يفترض المسلمون في كل أنحاء العالم أن هذا الاجتماع سيحل جزءا كبيرا من مشكلاتهم، وسينقلهم إلى حال أحسن مما كانوا عليه.
التصريحات التي صدرت عن منظمة القمة قالت: إن قضية فلسطين ولبنان ستكون من أولويات هذه القمة، كما أن الحديث عن الإساءة المتكررة للإسلام ولنبي الإسلام (ص) وكذلك مناقشة تحديث نظام ميثاق القمة وأهدافها وطرق عملها لتواكب المستجدات العالمية سيكونان من الموضوعات المهمة التي سيناقشها المجتمعون.
موضوعات كبيرة ومهمة، ويقينا أنها ليست المرة الأولى التي تناقش فيها هذه الموضوعات عدا قضية لبنان، ويقينا - أيضا - أن المجتمعين في المرات السابقة لم يستطيعوا أن يخرجوا بنتائج عملية عندما ناقشوا الموضوعات نفسها. فماذا سيحدث هذه المرة؟
رئيس القمة - الرئيس السنغالي - طالب في كلمته بتقديم دعم غير محدود للفلسطينيين، كما طالب الصهاينة بوقف كل أشكال الاستيطان وكذلك القتل الجماعي للفلسطينيين. وتحدث الرئيس السنغالي عن «الأيادي الشيطانية» التي تقف وراء الإساءة للإسلام، ودعا إلى وضع استراتيجية حقيقية للإعلام والاتصال لتوضيح صورة الإسلام.
أما أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي أكمل إحسان أوغلو فقد طالب بمحاكمة قادة الحرب الإسرائيليين بسبب ارتكابهم جرائم بشعة ضد الفلسطينيين، كما تحدث عن الوضع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون.
أمين عام رابطة العالم الإسلامي عبدالله التركي تحدث هو الآخر عن قضية فلسطين وأشار إلى جهود الرابطة المتعلقة بتلك القضية.
وزير الخارجية السعودي الأمير تركي الفيصل تحدث بمرارة عن مؤتمر «أنابوليس» قائلا: «إن الإجماع العربي هو الذي جعل المملكة العربية السعودية تشارك في هذا المؤتمر الذي جرى تأكيد مناقشة كل القضايا العربية فيه بما فيها قضية القدس، ولكن كل ذلك لم يتحقق على رغم مضي وقت كافٍ كان يجب أن يحدث فيه شيء إيجابي، وإنما رأينا المجازر ضد الشعب الفلسطيني في غزة وسواها ضد الأطفال والنساء والشيوخ وكذلك انتهاج سياسة الحصار والعقوبات الجماعية المناهضة لكل القوانين الدولية والإنسانية واتفاقيات جنيف الخاصة بمعاملة السكان المدنيين تحت الاحتلال».
الكلام الذي قاله المجتمعون كلام جميل وهم محقون فيه، ولكن سؤالا كان يتردد في ذهني وأنا أستمع إلى الكلمات التي قيلت وهو: إلى من يتحدث هؤلاء؟ هل يتحدث بعضهم إلى البعض الآخر أم أن هناك رسالة ما يريدون توجيهها؟ وإذا كان الأمر كذلك فلمن؟
قلت في نفسي مرة أخرى: ماذا فعلت الدول الإسلامية إزاء الموضوعات التي تحدثوا عنها؟ هل قامت كل دولة بواجبها وبحسب قدرتها؟ هل يصح أن نطالب الآخرين بحل قضايانا ونحن لا نقدم إلى هذا القضايا حلولا عملية نملكها؟
القضية الفلسطينية كانت الأهم على جدول المباحثات. فهناك إجماع كامل على حدوث مآسٍ ومجازرَ للأهالي، وهناك إجماع على أن تكون القدس عاصمة للفلسطينيين، وتخوف كبير من هدم المسجد الأقصى. ولكن - مرة أخرى - ماذا فعل المجتمعون لإنهاء كل ما يحدث هناك أو التقليل منه؟
مجموعة من الدول التي حضرت الاجتماع تقيم علاقات كاملة أو جزئية مع الصهاينة. فما الذي يمنع هذه الدول من قطع هذه العلاقات؟ ما الفائدة التي تعود عليها في ظل كل تلك المجازر والحصار الذي يتحدثون عنه؟
الصهاينة أوقفوا قناة «الجزيرة» عن العمل في أراضيهم المحتلة بحجة انحيازها إلى الفلسطينيين في تغطيتها مجازر غزة. فإذا كان هؤلاء يعرفون أن «الجزيرة» إنما مارست عملها بمهنية وحيادية ومع هذا قاطعوها فما حجة الدول الإسلامية التي تقيم علاقات مع الصهاينة في إبقاء هذه العلاقات وهي تقولها بصراحة: إن الصهاينة يرتكبون أعمالا إجرامية في غزة؟ أليست المقاطعة أقل عمل إيجابي ينبغي فعله؟ أليست الأعمال أهم من الأقوال؟
الحاضرون أبدوا تعاطفهم الشديد مع المحاصرين في غزة، ولكن ما قيمة هذا التعاطف وحده؟
أليس بإمكان هذه الدول تقديم مساعدات فاعلة لرفع هذا الحصار؟ لماذا لا تفتح الحدود؟ هل ما يقال عن سبب عدم الفتح مقنع لأحد في ظل كل ما نراه؟ لماذا لا تقدم الدول كلها مساعدات إنسانية وعسكرية للمحاصرين للدفاع عن أنفسهم؟ أليس القانون الدولي أعطاهم هذا الحق؟ أليس بإمكان الدول المجتمعة تقديم هذا اللون من المساعدة إليهم؟ هل مراعاة خواطر «البعض» سبب كافٍ للإحجام عن تقديم كل المساعدات اللازمة؟ ما قيمة الكلام وحده؟ هل يعيد الحياة للموتى؟ هل يشفي مريضا؟ وهل... وهل؟
المسجد الأقصى هو الآخر مهدد بالسقوط. وأعمال الحفر لا تكاد تتوقف تحته. فهل الصراخ وحده سيحول دون سقوطه؟
وفي مسألة الإساءة إلى الرسول (ص) والإسلام كان يكفي أن تقاطع كل الدول الإسلامية أي دولة تسيء إلى الإسلام لكي تتوقف هذه الإساءة. ولكن كم دولة عربية أو إسلامية قاطعت الدنمارك أو هولندا أو سواها؟ بل كم دولة عربية أو إسلامية أعطت الضوء الأخضر لإعلامها لحث المسلمين على المقاطعة؟
مرة أخرى هل يعتقد قادة المسلمين أن الحديث يكفي وحده؟ وهل يتوقعون من غيرهم أن يقوموا نيابة عنهم بالدفاع عن الإسلام؟
وفي المسألة الاقتصادية الجميع يدركون أن الدول الإسلامية غنية جدا في كل شيء. ومع هذا فالفقر يقبع في بلادهم، ومالهم يتجه إلى غيرهم، وكان بإمكانهم الاستفادة من قدرات بعضهم بعضا. فهناك دول نفطية، وهناك دول لديها أراضٍ كبيرة جدا تصلح للزراعة تكفي لكل العرب والمسلمين وتجعلهم يعتمدون على أنفسهم بدلا من الاعتماد على سواهم. ولو فعل المسلمون ذلك لأصبحوا قادرين على اتخاذ القرارات المناسبة لهم. ما الذي يمنعهم فعل ذلك وهم يرون أن دول العالم تتجه للاتحاد؟ أليسوا هم الأولى لأن يبحثوا عن الوحدة وهي جزء من عقيدتهم؟
القمة بحثت قضايا أخرى مثل قضايا الثقافة وتعديل ميثاقها وأشياء أخرى، ثم انتهى الاجتماع وعاد كل وفد إلى بلده وبقيت كل القضايا التي ذهبوا من أجلها تنتظر أن ترى النور. فهل تراه قريبا أم ستكون كسابقاتها؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2020 - الإثنين 17 مارس 2008م الموافق 09 ربيع الاول 1429هـ