العدد 2020 - الإثنين 17 مارس 2008م الموافق 09 ربيع الاول 1429هـ

ذهنية الحرق لا تهمها حقوق الناس

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

علينا أن نكون أكثر وضوحا فيما يتعلق بالعمل التخريبي «الإرهابي» الذي حدث في إحدى المزارع قبل أيام. التنديد والشجب وحدهما لا يكفيان. عمل كهذا - مدانة الجهة التي تقف وراءه - لا يمكن أن يبرر تحت أي عنوان، إذ ليس هكذا تورد الحقوق. وممارسات كهذه لا تقرها أي من الأعراف، ولا يمكن أن تكون جواز مرور لتحقيق المطالب، بل هي في صميم الإساءة إلى تلك المطالب.

هذه صورة وفعل في الذروة من القتامة وفي الذروة من تجهيل الناس وجرّهم جرا إلى محارقَ لا يعلم إلا الله نتائجها وتداعياتها. ذهنية بهذا المستوى من الحرق لا يهمها من قريب أو بعيد أن تصل الحقوق إلى الناس. وذهنية بهذا الفتك لا يمكنها أن تراعي غير مصالحها لا مصالح الناس، وتفكير بهذا الإلغاء والمستوى من المحو لا يمكن أن يكون متطلعا إلى استتباب أمور وحصول الناس على حقوقهم ومن ثم تأكيد مواطنتهم بالانخراط السلمي في الحراك السياسي، على رغم ما يشوبه من تلكؤ وتأتأة. ولكن ذلك لا يمنح مجموعة من العصابات حق خلط الملفات وإدخال البلد في فيافٍ من التيه وإضاعة البوصلات.

عليك أن تطارد خائفا كي تدافع عن نفسك

البيان الأخير لوزارة الداخلية يبعث على الشفقة. ففي ردها على تعرض مواطن وزوجته الحامل في شهرها التاسع للضرب من قبل قوات الشغب قال البيان إن «المواطن فر هاربا بعد أن حاول دهس رجال القوة - بحسب البيان - مما دفعها إلى مطاردته، وتصرف رجال القوة معه من باب الدفاع عن النفس». أحاول - ويحاول كثيرون غيري - فهم كيف يكون دفاعا عن النفس أمام مواطن ولَّى الأدبار طلبا للسلامة، لفرط القوة على الأرض، إذ لا ميزان تكافؤ في المواجهة؟ ثم كيف يكون الطرف الأقوى المدجج والمنوط به حفظ الأمن يدّعي أن ما وقع على المواطن وزوجته هو دفاع عن النفس، وقد ولّى الأدبار؟ فيما الإجراء المتبع هنا هو: توقيف المواطن والتحقيق معه، لا أن يتم التعدّي عليه وعلى زوجته تحت أي مبرر كان، عدا الدفاع عن النفس، وبالأسلوب الذي اتبعته قوات الشغب إذ تفتح المجال واسعا أمام إشاعة مبدأ «كل من إيده إلو» وليذهب القانون بعدها إلى الجحيم. القانون الذي أول من يتجاوزه هم الموكولون بحفظه.

***

أموت وأقرأ بيانا لوزارة الداخلية تعترف فيه بمشهد من التجاوزات. هي على طول الخط على صواب. هي على طول الخط المجني عليها. هي على طول الخط تتعرض لعنف وإرهاب، على رغم إمكاناتها وبانوراما أسلحتها، من دون أن ننسى الفُلفُل المطحون (جيد الذكر)!

لم يلفت انتباهي في إحدى نشرات الأخبار مجموعة من قوات الشغب الباكستانية تنهال ضربا على محتجين ومعارضين لحكم الرئيس برويز مشرف من بني جلدتهم، وبشكل يدعو إلى الاستغراب، وخصوصا أنهم عزّل وعبّروا عن احتجاجهم بشكل سلمي من دون اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف. تساءلت: إذا كان ذلك يحدث للمتظاهرين من قبل بني جلدتهم، فكيف سيكون عليه الحال هنا في ظل إعداد وبرامج مسبقة سيخضع لها بعض المجلوبين من أقاصي الأرض للتعاطي مع مواطنين يظل التعامل معهم باعتبارهم طارئين؟ لاشك في أنه تعاطٍ لن يلتفت من قريب أو بعيد إلى أجندة حقوق الإنسان؛ بدليل الصور والمشاهد التي لا يمكن أن تختزلها ترقيعات هنا وهناك.

***

بدل أن تعترف ولو في الحد الأدنى من الخروقات والانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون في البحرين، تصر وزارة الإعلام على أن تقرير «صحافيون بلا حدود» مليء بالمغالطات، وكأن قانون الصحافة والنشر منزل من السماء وخالٍ في بنوده من منافذ تؤدي إلى تلك الانتهاكات والتجاوزات والخروقات.

إلى متى تظل الحكومات في هذا الجزء من العالم تعتقد أنها منزهة عن الخطأ، وأن الباطل لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها؟ بدل أن تعيد وزارة الإعلام النظر في القانون القائم تأخذها العزة بالإثم وترى في تقرير المنظمة تجاوزا.

لترجع الوزارة إلى إحصاء 2007 فقط، لترجع إلى تجاوزات قوات الأمن تجاه الصحافيين والمصورين، لترجع إلى الحجز والمنع في إدارة النشر والمطبوعات (دائرة مخابرات النوايا) والقائمة تطول.

سيصدر تقرير مجلس حقوق الإنسان عن الأمم المتحدة، وستجد وزارتي الخارجية والإعلام تتصديان بمنطق «خذوهم بالصوت» وستنفيان التمييز، والتجنيس السياسي، والتلاعب بالدوائر الانتخابية، ورهافة قوات مكافحة الشغب وإنسانيتهم، وانعدام ملف الفساد، وتأكيد عدالة توزيع الثروة... والقائمة أيضا تطول.

لا أحد يملك ذرة من وطنية يتمنى أن يرى بلاده يساق ممثلوها سوقا وتتم شرشحتهم في أي محفل كان. كل مواطن شريف يحرص على أن يكون سجّل بلاده في حقوق الإنسان مشرّفا وناصعا. ولكن يبدو أن هذا التمني لا مكان له في ظل تورّط جناح في الحكومة بنوايا ليست بريئة على الإطلاق وتهدف في أبسط ما تهدف إليه ؟إلى «مرمطة جناح» على حساب جناح آخر. ثم من هو المستفيد في كل هذه المعادلة الخاسرة؟ الوطن بأسره. وواهم واهم واهم من يظن أن خسارة طرف ستكون محصلة ربح لطرف آخر.

***

نحن في العام 2008. 7 سنوات مرت منذ بدأت ملامح المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. تحقق الكثير... ولكن جزءا كبيرا مما تحقق يراد له أن يرجع القهقرى... إذ في ظل تنامي هذا المشروع وتفعيله تنكشف ممارسات ومحاولات ومشروعات على النقيض من المشروع الإصلاحي، مشروعات هي على الضد بالدرجة الأولى من مصلحة الوطن أولا وأخيرا.

إلى أي مدى يمكن لتلك المشروعات أن تنجح؟ ذلك يتوقف على مدى وعي الأطراف الأخرى المندمجة في التجربة وإن أبدت ملاحظاتها وأحيانا اختلافها مع جانب من تلك العملية، إضافة إلى الشارع الذي تقوده تلك الأطراف، الشارع الذي بات على الجميع أن يعيد صوغ مفاهيمه ورؤيته للعملية الإصلاحية باعتبارها صمَّام أمان وباعتبارها خيارا على الجميع أن يساهم في تراكمه.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2020 - الإثنين 17 مارس 2008م الموافق 09 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً