على امتداد صفحتين متقابلتين، وفيما بلغ مجموعه 5000 كلمة، تناول النائب إبراهيم أبوصندل الكثير من القضايا، بدءا من القضية المثيرة (الاستجواب) إلى القضية الأكثر إثارة (كومار)!
هناك عدّة مطبات وقع فيها النائب بوصندل، لو أردنا تتبعها مطبا مطبا، لاحتجنا إلى ثلاثين مقالا، ولكن سأكتفي بالوقوف على الإشكالات الأكبر، وإلاّ فإنّ مواقفه المهزوزة كثيرة، خصوصا اتفاقه التاريخي مع «الوفاق» في الليل، وانقلابه عليه في النهار، دون أن نعلم حتى الآن سر الانقلاب!
النائب بوصندل لم يقنعنا كقرّاء بأنّ الكتل الثلاث لا تريد مصادرة حق الكتلة الرابعة في ممارسة دورها الرقابي، رغم كل ما جرى منذ ثلاثة أسابيع! والمشكلة أنّ هذه الكتل لا تُدرك أنها «تطز» عينها بأصبعها، بزيادة تقييد صلاحياتها الرقابية المحدودة أصلا، وهي فارقةٌ لن تجد مثلها إلاّ في بلدان العالم الثالث المتخلّفة سياسيا، حيث يُعتبر البرلمان أحد الأجهزة التابعة للحكومة.
التناقضات في حديث بوصندل كثيرة، فهو يقول إنهم «جادون في محاربة الفساد، ولو ثبت أنّ الاستجواب صحيح لا يمكن أنْ نقف ضده»، ولكنه يأخذ موقف القاضي ويصدر الحكم مسبقا بالبراءة، وأدلته العلمية لا تزيد عن القول «أنه يغلب في ظننا»، و«لا نعتقد ذلك»! وحتى حين سُئل عن استقالة المستشار عَمرو بركات قال: «لا أعلم تفاصيل القضية»، ومع ذلك أخذ يثير الشبهات!
الأغرب من ذلك، وبينما يصرّ على أنهم «كتلة دينية»، وإنهم «تخلّوا عن الدنيا من أجل الدين»! فإنه يؤكّد أن الوفاق تستقصد الوزير لدوافع طائفية وشخصية، وهو يعلم أنّ الموضوع أكبر من ذلك بكثير. فالبحرين بعد التقرير ليست هي ما بعد التقرير، بعد أنْ تمّ تفجير الإحساس الداخلي بالأمان والسكينة، واستبدل ذلك بزراعة الشكوك والارتياب بين الجار وجاره، خصوصا أنه يُدرك في قرارة نفسه، أن «ما يفعله منهج متبنّى وسيعمل ذلك بالسر حين يصبح مستشارا بدرجة وزير» كما قال حرفيا.
الشارع اليوم يرى أن الكتل الثلاث انصهرت في كتلةٍ واحدةٍ مع أوّل امتحان حقيقي، بعد أن ذابت الزبدة الفاصلة بينها، فاتهام الآخرين بالطائفية لن ينفيها عنك مع هذا الاصطفاف الطائفي المصلحي الفاقع. والإعلام العالمي المحايد أدرك سر اللعبة، ومهما طال الزمن فإنّ المراوغات سُرعان ما تنكشف لنعود مرة بعد أخرى إلى مفرزات المراكز العامّة. فما حدث تحصيل حاصل، ومن شأنه أنْ يتكرّر مع كل استجواب، بما يفرغ البرلمان من صلاحياته، والعهد الإصلاحي من أهم أدواته.
إحدى كاتبات الصف الأوّل من الموالاة، دعت قبل فترةٍ إلى أنْ يتقدّم الوزير بنفسه للاستجواب، إثباتا للبراءة، فـ «لا تبوق لا تخاف»، ولكن نواب الموالاة ردّوا عليها جماعيا في اليوم الثاني وأسكتوها، واستقتلوا بحثا عن الشبهات الدستورية نيابة عن الحكومة! وبعضهم أخذ «يعسعس» في الكتب والمجلات القديمة لإثبات حق رئيس المجلس في رفض الاستجواب!
مشكلة الأخ أبوصندل أنه «حاول» الاستناد إلى أقوال «علمية» في الدفاع عن قضية باطلة، فوقع في مطبات كثيرة، وكم تمنيت لو سأله زميلنا الصحافي: ما هو الرأي الشرعي في موقفهم من «الاستجواب»؟ وهل مواقف هذه الجماعة الدينية (الزاهدة في الدنيا) من «الدوائر غير العادلة» و«التجنيس» و«التمييز الوظيفي» و«غير الوظيفي»... هل تتفق مع مبادئ السلف الصالح التي يدعون إليها؟ أم إنه أحد أشكال مقايضة الدين بأرخص غنائم الدنيا؟ ... والله الهادي إلى سواء السبيل.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ