العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ

دمشق... وتعديل قواعد اللعبة الإسرائيلية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الكلام الذي نقلته وكالة «رويترز» عن مصادر إسرائيلية وأوروبية بشأن تحذير وجهته حكومة إيهود أولمرت عبر طرف ثالث إلى دمشق يتعلق بإمكانات رد حزب الله على جريمة اغتيال عماد معنية يتطلب قراءة ثانية نظرا لخطورته الجيوسياسية.

الكلام يشير إلى أن تل أبيب قررت تعديل قواعد اللعبة في حال أقدم حزب الله على توجيه ضربة عسكرية. فالرد لن يكون على لبنان أو أنه لن يكتفي بالاعتداء على مواقع لحزب الله بل سيكون شاملا ويتجاوز الحدود الدولية.

هذا الكلام الذي سربته مصادر عسكرية عن هيئة أركان الجيش الإسرائيلي قد يكون مناورة وغير دقيق ومجرد بالون اختبار للتخويف. وقد يكون أيضا بداية تغيير في مجرى الصراع الإقليمي وخطوة لتعديل قواعد اللعبة التي استقرت في العقود الثلاثة الماضية على تحميل لبنان مسئولية كل فعل عسكري ينطلق من أراضيه. وفي حال صحت المعلومات التي سربتها قنوات دبلوماسية إلى دمشق وأكدت فيها أن تل أبيب ستتجه هذه المرة إلى تحميل سورية مباشرة مسئولية أي عمل يقوم به حزب الله فمعنى ذلك أن المواجهة المقبلة ستكون أوسع من الدائرة اللبنانية، وربما تؤدي إلى استدراج المنطقة إلى حرب شاملة.

هذا التقدير مجرد فرضية، لأن المعلومات المنقولة عن مصادر عسكرية قد تكون مشوشة وغير دقيقة ولكنها تحتمل بعض الصدقية إذا كانت حكومة أولمرت جاهزة لمثل هذه المواجهة الشاملة والواسعة.

«لكن» مشروطة بـ «إذا» الكبيرة. فإذا صحت المعلومات تكون فعلا «إسرائيل» دخلت مرحلة جديدة من التعامل مع دمشق بعد هدنة عسكرية طويلة امتدت من قرار وقف إطلاق النار بعد نهاية حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 إلى أيامنا الحاضرة. وهذا التعديل في قواعد اللعبة، إذا صحت معلوماته وتقديراته، سيضع الصراع المسلح تحت سقف إقليمي وسيحرج مختلف القوى والفصائل نظرا للكلفة العالية والغالية المتوقع حصولها في حال اتخذ قرار الرد.

حتى الآن لا تظهر في الأفق السياسي مؤشرات تؤكد هذا الاتجاه. بل أن المعلومات التي تتسرب تشير إلى وجود توجه «سلمي» من جانب حكومة أولمرت نحو دمشق. وأنه جرت في هذا الصدد الكثير من اللقاءات والاتصالات والتفاهمات عبر قنوات ثالثة وأحيانا مباشرة لتثبيت قواعد اللعبة في إطارها السابق... أي ترك لبنان ساحة مفتوحة ومكشوفة لتوجيه الرسائل الإقليمية المتبادلة.

المعلومات إذا مشوشة وتحتمل المناورة و«لكن» في حال صحت فإن الأمر يتطلب رؤية جديدة في التعامل مع الموضوع. وهذا يعني أن تل أبيب بدأت تعيد النظر في قواعد لعبة لم تعد تفيدها وأخذت تنقلب عليها بعد تلك التجربة القاسية التي مرت بها خلال العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006.

العدوان حصل تحت سقف قواعد اللعبة المتوافق عليها إقليميا منذ العام 1974. وتقوم على أساس حصر مبدأ المواجهة العسكرية في الدائرة اللبنانية وتحميل لبنان (الدولة والمقاومة) مسئولية أي عمل يخترق الحدود أو يتجاوز سقف التفاهم المعمول به. وبسبب هذه اللعبة تحمل الشعب اللبناني ضربات مؤذية خلال العقود الثلاثة الماضية ودفع وحده أثمان الصراع العربي - الإسرائيلي. وأدت سياسة «مصائب قوم عند قوم فوائد» إلى تخريب العمران مرارا وتمزيق النسيج الاجتماعي ودفع الناس إلى حالات من التوتر واليأس والقنوط والهرب إلى الداخل أو الهجرة نهائيا من لبنان.

هذه السياسة التي يمكن وصفها بأنها غير عادلة مرت في محطات مختلفة بدأت في مرحلة الوجود الفلسطيني المسلح واستمرت خلال فترة الاجتياح وتطورت ميدانيا واتخذت أشكالا مختلفة إلى أن استقرت أخيرا تحت سقف قرار دولي تحتمل فقراته قراءات يمكن تطويعها باتجاهات متضاربة.

معاقبة المصب

القرار 1701 لا يشكل تلك المظلة الدولية التي تساهم فقراته في حماية لبنان (الدولة والمقاومة) باعتبار أنه يخضع لمجموعة تقديرات غير ثابتة ويمكن تعديلها تحت ذرائع قانونية أو عسكرية. ويشبه القرار المذكور مجموعة قرارات صدرت بشأن لبنان منذ عدوان مارس/ آذار 1978 ولم تلق الإدارة الدولية القادرة على تنفيذها الأمر الذي فتح الباب أمام صراعات إقليمية مسلحة شكلت بلاد الأرز مسرحها الوحيد خلال العقود الثلاثة الماضية.

الحروب الإسرائيلية الصغيرة والكبيرة التي نفذتها تل أبيب ضد لبنان جرت كلها تحت عنوان واحد أعيد إنتاجه وإخراجه تحت ذريعة مملة ومكروهة وهي تحميل الحكومة اللبنانية مسئولية أي عمل عسكري ينفذ ضد الدولة العبرية. وتحت وطأة هذا التحامل شنت تل أبيب اعتداءات متكررة ضد الجنوب اللبناني منذ العام 1967 إلى العام 1976. وبعدها طورت ضرباتها العسكرية ورفعت درجة سخونتها وصولا إلى تنفيذ اجتياحات ميدانية محدودة إلى أن قررت غزو بلاد الأرز في يونيو/ حزيران 1982.

بعد الاحتلال وفي ظله أعيد تثبيت قواعد اللعبة التي تعرضت للاهتزاز الإقليمي على إثر مغادرة قوات منظمة التحرير الفلسطينية لبنان في سبتمبر/ أيلول 1982. وأدت سياسة «مصائب قوم عند قوم فوائد» إلى تنظيم سلسلة حروب وغزوات على لبنان تمثلت في مواجهات عسكرية حدودية وبرية أشهرها كانت اعتداءات 1993 و1996 وغيرها إلى أن دحرت قوات الاحتلال وغادرت «الشريط الحدودي» في العام 2000.

كل الهجمات كانت تحصل تحت عنوان واحد وهو تحميل لبنان مسئولية أي عمل عسكري وتدفيع أهله ثمن الصراع العربي (الفلسطيني) - الإسرائيلي. فالعنوان المكرر كان يخضع دائما لقواعد اللعبة المتوافق عليها وهي تعتمد قانون معاقبة «المصب» وإهمال «النبع» و «الممر».

«المصب» يعني الساحة اللبنانية. فهي المكان الذي تتجمع فيه الروافد وتلتقي في حوضة الممرات الموصولة جغرافيا بالينابيع. وبسبب نظرية لبنان «المصب» كان هو الطرف الوحيد الذي يدفع كلفة المواجهات بذريعة أن الدولة (والمقاومة أيضا) تتحمل مسئولية أي اختراق للقانون الذي قضى بتحييد الينابيع والممرات والروافد والتركيز على «المصب» لكونه يشكل تلك الساحة التي تنطلق منها الصواريخ أو العمليات المسلحة.

حتى حين قام حزب الله بتلك العملية الدفاعية النوعية في يوليو/ تموز 2006 لم تحمّل حكومة أولمرت طهران أو دمشق مسئولية الفعل وإنما اكتفت بتحميل لبنان (دولة ومقاومة) المسئولية وأخذت تحت سقف هذه الذريعة بتقويض هيكله العمراني وتقطيع أوصاله. فالعدوان لم يختصر ضرباته على مواقع المقاومة وإنما قام بتوسيعها وتمديدها لتشمل معظم الأراضي اللبنانية ولم تسجل حكومة أولمرت خطأ واحدا وراء الخط الأحمر خلال فترة الحرب التي امتدت نحو 34 يوما. فالعدوان احترم قواعد اللعبة ولم يرتكب خطوة واحدة خارج الحدود المرسومة له.

نظرية «المصب» شكلت خلال العقود الثلاثة مساحة جغرافية متوافق عليها إقليميا للثأر والانتقام وباتت تعتبر تقليديا بمثابة وعاء سياسي يستوعب الضربات والردود والرسائل. وهذا ما أدى إلى توليد نزعات لبنانية أهلية متوترة غير قادرة على تفهم نظرية معاقبة «المصب» وترك المجاري والينابيع بعيدة عن مشهد المواجهات العسكرية.

الآن تبدو المسألة مختلفة أو أنها على الأقل بدأت تدخل مرحلة تتجاوز قواعد اللعبة التي مضى عليها نحو 30 سنة. فالكلام الذي نقلته «رويترز» عن مصادر عسكرية إسرائيلية يؤشر إلى وجود توجه لدى حكومة أولمرت يستهدف تغيير قواعد اللعبة وتوسيع دائرة المسئولية وتحميل دمشق نتائج أي فعل أو ردة فعل تصدر من الجانب اللبناني سواء على الحدود الدولية أو في الداخل الفلسطيني. إذا صحت هذه المعلومات المشوشة فمعنى ذلك أن تل أبيب باتت في مزاج انقلابي أو هي في صدد اتخاذ قرار كبير يتراوح بين حدين: الحرب الشاملة أو السلام الشامل.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً