العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ

الماء عصب الحياة

بان كي مون comments [at] alwasatnews.com

الأمين العام للأمم المتحدة

تحتفل الأمم المتحدة في يوم 22 مارس/ آذار باليوم العالمي للمياه. ونحن لا نتوقع من الناس أنْ يتوقفوا عما هم بصدد القيام به والتزام الصمت لمدة دقيقة، وإنْ كان ينبغي لهم ذلك ربما.

ففي كل 20 ثانية، يموت طفل من جرّاء مرض من الأمراض التي ترتبط بالافتقار إلى المياه النظيفة. ومحصلة ذلك هي فقدان 1.5 مليون من البشر في مقتبل العمر كلّ عام لأرواحهم سدى.

ويعيش أكثر من مليارين ونصف من البشر في العالم في أفظع المستويات من النظافة الصحية والصرف الصحي. ومساعدة أولئك الناس ستؤدي إلى أكثر من مجرد خفض عدد الوفيات؛ فهي ستوفر الحماية للبيئة، وتحد من الفقر، وتعزز التنمية. ويرجع ذلك إلى أنّ الماء يمثل الدعامة الأساسية لقدر كبير جدا من العمل الذي نقوم به في هذه المجالات.

والماء عنصر أساسي للبقاء. ويختلف الماء عن النفط في أنه ليس ثمة بدائل له. بيد أن موارد المياه العذبة تتعرض اليوم لضغط كبير. وسيزيد نمو السكّان المشكلة حدة، شأنه في ذلك شأن تغير المناخ. فكلما نما الاقتصاد العالمي، ازداد عطشه.

وعلى غرار النفط، فإنّ المشكلات التي تنجم عن الشح في مورد حيوي تنحو إلى الانتشار خارج الحدود. وقد حددت منظمة الإشعار الدولية 46 بلدا، يعيش فيها 2.7 بليون من الناس، وتتسبب فيها الأزمات الناجمة عن تغير المناخ والمتصلة بالمياه في إيجاد خطر جسيم باندلاع صراعات عنيفة. كما أن هناك 56 بلدا، تمثل 1.2 بليون شخصا آخرين، في خطر شديد بنشوب قلاقل سياسية فيها. ويمثل ذلك أكثر من نصف العالم.

ولا يتعلق الأمر هنا بالأغنياء أو الفقراء، ولا بالشمال أو الجنوب. فالصين تقوم بتحويل مئات الملايين من الأمتار المكعبة من المياه إلى بيجينغ المعرضة للجفاف قبل حلول موعد الألعاب الأولمبية، إلا أنّ حالات العجز في المياه يتوقع لها أنْ تستمر لسنوات مقبلة. وفي أميركا الشمالية نادرا ما يصل نهر كولورادو القوي إلى البحر. والضغط على موارد المياه يؤثر على ثلث الولايات المتحدة وخمس إسبانيا.

وتوفر منظومة المياه لبحيرة تشاد، في وسط إفريقيا، الدعم لحياة 30 مليونا من البشر تقريبا. إلا أنه خلال الـ 30 سنة الماضية، تقلصت البحيرة إلى عُشر مساحتها السابقة، نتيجة للجفاف، وتغير المناخ، وسوء الإدارة، والاستغلال المفرط. وعند زيارتي للبرازيل في فصل الخريف، تعين عليّ أن ألغي رحلة على أحد الروافد الرئيسية لنهر الأمازون. فقد جف ذلك الرافد تماما.

وقد أنفقت السنة الماضية وأنا أرفع الصوت عاليا منبها إلى قضية تغير المناخ. وقد رأينا نتائج ذلك في ”خريطة طريق بالي“ التي ترسم مسارا للمفاوضات بشأن معاهدة ملزمة قانونا تحد من انبعاثات غاز الدفيئة؛ لتحل محل بروتوكول كيوتو عند انتهاء سريانه في العام 2012. وفي هذه السنة، سأبذل جهدا مماثلا لتوعية الجمهور بالأهداف الإنمائية للألفية.

وفي جملة أمور، فإنّ ما يُسمّى بالأهداف الإنمائية للألفية يحدد غاية تتمثل في تخفيض عدد الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على مياه الشرب المأمونة إلى النصف بحلول العام 2015. وذلك أمر ذو أهمية حاسمة. فعند النظر إلى التحديات الصحية والإنمائية التي تواجه أشد سكّان العالم فقرا - والتي تتمثل في انتشار أمراض مثل الملاريا أو السل، وفي ارتفاع أسعار الأغذية، وفي تدهور البيئة - فإنّ العامل المشترك بينها غالبا ما يكون المياه.

وفي شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، سأقوم بجمع مسئولين على أرفع مستوى من كلّ أنحاء العالم في مؤتمر قمة في نيويورك بشأن كيفية بلوغ تلك الأهداف، ولاسيما في إفريقيا. وإلى ذلك الحين، علينا أنْ نبدأ التفكير في وضع استراتيجيات أفضـل لإدارة المياه - لاستخدامها بكفاءة وتقاسمها بعدالة. ويعني ذلك إقامة شراكات لا تشمل الحكومات فحسب، وإنما جماعات المجتمع المدني والأفراد ودوائر الأعمال أيضا.

إننا في المراحل الأولى من هذه اليقظة. إلا أنّ هناك بعض العلامات المشجّعة، خصوصا في القطاع الخاص. وقد كان يُنظر إلى المؤسسات لوقت طويل على أنها الطرف المذنب. فمداخن منشآت توليد الطاقة تبث التلوث في هوائنا، والنفايات السائلة من الصناعة تفسد أنهارنا. بيد أنّ ذلك آخذ في التغيير. فدوائر الأعمال تعمل أكثر فأكثر اليوم لكي تصبح جزءا من الحل، عوضا عن أن تكون هي المشكلة.

وفي وقت مبكّر من هذا الشهر، التقى في نيويورك أعضاء الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، الذي يمثل أكبر مبادرة متعلّقة بالمواطنة الطوعية للشركات في العالم، لعقد اجتماع بشأن المياه. وبلغ المجموع الكلي لأموال الشركات الممثلة في تلك الغرفة نحو نصف تريليون دولار، وهي شركات لها موظفون عاملون في قرابة 200 بلد.

وكان الموضوع الرئيسي للاجتماع هو: التحوّل من مجرد استعمال المياه إلى إدارتها. ويُترجم ذلك إلى التزام بالاشتراك مع الأمم المتحدة والحكومات وجماعات المجتمع المدني لحماية هذا المورد الآخذ في الشح وكفالة استفادة المجتمعات المحلية.

إنّ كل رحلة تتشكل من عدد هائل من الخطوات الصغيرة، وقد تحدث ممثلو الشركات عن تلك الخطوات الصغيرة أيضا. فقد وصفت إحدى كبريات شركات النسيج كيفية عملها مع الحكومات المحلية والمزارعين للحفاظ على مستجمعات المياه في زراعة القطن. ويعتزم أحد مصممي سراويل الجينـز تغيير بطاقات العناية بمنتجاته، وذلك بالنصح بغسل السراويل بالمياه الباردة وتجفيفها بتعريضها للهواء كخطوة صوب الاقتصاد في المياه.

نعم إنّ ذلك قطرة في بحر. إلا أنني أراه بمثابة الموجة الأولى في مد من التغيير.

إقرأ أيضا لـ "بان كي مون"

العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً