شدد مختصون على أن مسلسل إضرابات العمالة الهندية سيستمر في اتساعه ليشمل معظم شركات المقاولات الكبرى في البحرين، كما ستزداد ضغوط البلدان المصدرة للعمالة سواء لحماية مصالح عمالها الاقتصادية أو فيما يتعلق بحقوق الإنسان لهذه العمالة, وقالوا: «إذا لم يتنبه القطاع الخاص لدينا لذلك وأخذ يتعذر بأعذار ليست في مصلحته على المدى البعيد, فإن الأمور ستزداد تعقيدا».
وقال المختصون إن كان حجم حركة العمالة المهجرة ارتفع ليصل إلى 191 مليون عامل في العام 2005 بعد أن كان في حدود 35 مليون عامل في العام 1995 و 3.2 ملايين عامل في العام 1960, وأضافوا:» إن ازدياد حجم العمالة يسير في عالم متغير من حيث الجوانب الحقوقية والمتغيرات السياسية حول العالم وارتفاع وعي الطبقة العاملة المهاجرة من وعي بسيط إلى وعي مركب ولذلك فإن المطالب الحقوقية للعمال ستزداد في المستقبل».
ومن جانبه قال ممثل السفارة الهندية خلال الندوة التي نظمتها «الوسط» بشأن إضرابات العمالة الهندية الأخيرة: «إن السفير الهندي عندما صرح بشأن نية الحكومة الهندية فرض حد أدنى لأجور عمالتها في الخارج لم يكن يتوقع ردة الفعل هذه، كما أنه انتقد الإضرابات ودعا إلى إنهائها خلال زيارته لمواقع الإضرابات، كما قام بمخاطبة الحكومة الهندية بهدف شرح موقف رجال الأعمال والحكومة في البحرين بشأن هذه القضايا. و اقترح على الحكومة الهندية تأجيل فرض الحد الأدنى للأجور الذي كان من المفترض أن يبدأ تطبيقه في الأول من مارس/ آذار الجاري».
ومن جهته دافع رئيس لجنة المقاولات بغرفة تجارة وصناعة البحرين عن موقف أصحاب الأعمال وقال:» هناك التزامات كبيرة على المقاولين, فهناك عقود يجب إنجازها بغير تغيير في الأسعار التي بنا عليها المقاول حساباته»، مشيرا إلى أن قيمة العمالة في أي مشروع تشكل 33 في المئة من الكلفة الكلية في حين لا تتجاوز الربحية الـ10 في المئة وفي حال رفع كلفة العمالة بنسبة 40 في المئة كما يطالب العمال فإن الزيادة الكلية في حجم الكلفة سترتفع بمقدار 12 في المئة ما يعني أن بعض المقاولين سيفلسون تماما.
وفيما يأتي نص الندوة:
* سنبدأ مع ممثل السفارة الهندية ومن حيث انتهت المشكلة مع تصريح الحكومة الهندية بأنها ألغت توجهها لفرض حد أدني للأجور, فهل تتوقع أن تنتهي إضرابات العمالة الهندية مع صدور هذا التصريح أم العكس, فما حدث لم يكن إلا بداية لنشوء وعي لدى العمالة الهندية إذ بدأت بتنظيم نفسها في البحرين وخصوصا أنها قد حققت بعض المكاسب سواء من الناحية المادية كزيادة في الأجور أو من الناحية المعيشية كتحسين السكن وإنشاء ملاعب للكركيت و توفير رعاية صحية بشكل أفضل؟
السفير غير راض عن الإضرابات
- نفين مجشياني: أولا أحب أن أوضح موقف السفارة الهندية وموقف السفير الهندي بالذات بشأن ما حدث من إضرابات أخيرا, إن السفير الهندي عندما صرح بشأن نية الحكومة الهندية فرض حد أدنى لأجور عمالتها في الخارج لم يكن يتوقع أن تكون مثل ردة الفعل هذه كما أنه انتقد هذه الإضرابات ودعا إلى إنهائها خلال زيارته لموقع الإضرابات، كما قام بمخاطبة الحكومة الهندية بهدف شرح موقف رجال الأعمال والحكومة في البحرين بشأن هذه القضايا و اقترح على الحكومة الهندية تأجيل فرض الحد الأدنى للأجور الذي كان من المفترض أن يبدأ تطبيقه في الأول من مارس الجاري مشيرا إلى أنه ليس من الصحيح أن يكون رفع الأجور بهذه السرعة إذ إن بعض العمالة الهندية تتسلم بين 60 إلى 80 دينارا شهريا وأن رفع هذا المبلغ إلى 100 دينار دفعة واحدة يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على أصحاب الأعمال في البحرين.
* ولكن هل ألغت الحكومة الهندية قرار تطبيق الحد الأدنى للأجور أو أجلت ذلك لوقت آخر؟
- مجشياني: الحكومة الهندية أجلت تطبيق هذا القرار لإجراء المزيد من الدراسات بشأن هذا الموضوع وخصوصا أن الحد الأدنى للأجور لن يطبق في البحرين فقط وإنما في جميع دول مجلس التعاون الخليجي, وأتوقع أن تقوم الحكومة بدراسة أوضاع كل بلد على حدة لكي تحدد الحد الأدنى للرواتب في كل بلد على حدة وفقا للأوضاع الاقتصادية ومستوى التضخم في كل بلد من البلدان الخليجية.
* ولكن هل تتوقع أن تتوقف الإضرابات بعد هذه الخطوة؟
- مجشياني: إن السفير دعا جميع العمال إلى إيقاف الإضرابات وشدد على أنها غير قانونية وأن الحكومة الهندية والحكومة البحرينية لا تقبلان بمثل هذه الأمور.
* سأحيل هذا السؤال نفسه لممثل اتحاد النقابات, هل تتوقع أن تتوقف هذه الإضرابات أو تزيد حدتها في المستقبل؟
- محمد علي مكي: نحن نختلف مع ما يطرحه البعض من أن سبب هذه الإضرابات ما صرح به السفير الهندي بشأن وضع حد أدنى لأجور العمالة الهندية في البحرين, يمكن أن تكون هذه الإضرابات قد تزامنت مع تصريحات السفير الهندي, فلقد شهدنا إضرابات سابقة لعمال الديزل في شركة بابكو كما كانت هناك إضرابات مستمرة في مصانع الملابس الجاهزة لتعديل أوضاع العمالة فيها و المطالبة بالأجور المتأخرة، إن الإضرابات لم تتوقف.
فيما يخص الإضرابات في شركة زخرياديس, خلال زيارتنا لموقع سكن العمال لاحظنا أن هؤلاء العمال معزولون عن العالم تماما فلم تكن هناك مواصلات لهم وكان اختلاطهم بعمال الشركات الأخرى قليل جدا بسبب بعد موقع عملهم الكائن في درة البحرين, لا أعتقد أن الإضرابات ستتوقف لأنها لم تبدأ بسبب هذا التصريح, كما أن العمالة المضربة ليست جميعها هندية ففي إضراب شركة زخرياديس كان هناك أكثر من 500 عامل ليسوا من الهند، كما أعتقد بأن توقف الإضرابات مرتبط بتحسين ظروف العمالة.
السفير هو السبب
* سمير ناس, كيف ترد على ما طرحه الأخ محمد علي من أن أسباب الإضرابات هي الأوضاع السيئة التي يعيشها العمال؟
- سمير ناس: إنني أختلف مع هذا الطرح, هناك سوء فهم لما حصل, صحيح كانت هناك إضرابات سابقة لأسباب أخرى, لكن هذه الإضرابات بالذات كانت بسبب سوء فهم تصريحات السفير الهندي, فأول إضراب في شركة زخريادس كان العمال الهنود يطالبون بتنفيذ قرار السفارة الهندية, فالعمال فهموا أن السفارة الهندية ستطالب جميع أصحاب الأعمال برفع أجور العمالة الهندية إلى 100 دينار منذ بداية شهر مارس.
إن ما يطرحه البعض من أن جميع أصحاب الأعمال في البحرين يعاملون عمالتهم بطريقة غير إنسانية خطأ, بالطبع هناك من يعامل العمال بطريقة سيئة ونحن كمقاولين لا نرضى بذلك.
هناك التزامات كبيرة على المقاولين, فهناك عقود يجب إنجازها بغير تغيير في الأسعار التي بنا عليها المقاول حساباته, فعندما ينزل المقاول في مناقصة مع 15 مقاول يجب أن يكون سعره هو الأقل لكي يحصل على المشروع, ولذلك تكون نسبة الربحية في أي مشروع هي 5 إلى 10 في المئة, وتشكل قيمة العمالة في أي مشروع في حدود 33 في المئة من الكلفة الكلية فإن رفعنا هذه الكلفة بــ 40 في المئة كما يطالب العمال أي أن كل عامل يحصل على 60 دينارا يجب أن يحصل على 100 دينار أي زيادة الكلفة الكلية بمقدار 12 في المئة ما يعني أن المقاول سيخسر ما لا يقل عن 7 في المئة من قيمة المشروع إن كانت ربحيته 5 في المئة، ما يعني أن بعض المقاولين سيفلسون.
* ولكن في الفترة الأخيرة ارتفعت أسعار مجمل مواد البناء و بنسب كبيرة ولم يفلس أحد فكيف يمكنكم تحمل ارتفاع أسعار مواد البناء ولا يمكنكم تحمل ارتفاع أسعار الأيدي العاملة؟
- ناس: إن أكثر المشروعات الكبيرة في البحرين تكون مدتها بين 18 و 24 شهرا, ولذلك تحسب حساب العمالة التي ستجلبها من الخارج على حساب التسعيرة الموجودة في عقود عملهم في حين أن أسعار مواد البناء لا ترتفع بين يوم وليلة, وفي المقاولات الكبيرة يتاح للمقاول أن يعيد تسعير المقاولة في حال ارتفاع الأسعار بنسبة معينة, مع العلم أن الحكومة لدينا تجبر المقاولين البحرينيين خصوصا على إلغاء هذه النسبة.
فيما يخص العمالة في البحرين فإن هناك خلل كبير جدا بسبب ما يسمى بالفري فيزا أو العمالة السائبة فلحد الآن لا يعرف عدد هذه العمالة, فهناك من يتحدث عن 100 ألف وهناك من يتحدث عن 200 ألف عامل هارب من رب عمله الأصلي, والسؤال أين تسكن هذه العمالة؟ لقد اتضح أن غالبية هؤلاء العمال يسكنون في السكن المخصص لعمال المقاولين من دون علم المقاول بهم ولذلك يأخذ البعض على المقاولين أنهم يسكنون عمالهم بأعداد كبيرة في سكن صغير في حين أن العمالة الهاربة تسكن مع عمال المقاولين مقابل مبلغ من المال يعطونه لزملائهم في السكن, إن لدى وزارة العمل مواصفات محددة لسكن العمال والتي يجب اتباعها من قبل الجميع ومن بين هذه المواصفات أن تخصص مساحة 3.7 أمتار مربعة لكل عامل، هناك القليل من المقاولين الذين لا يتبعون المواصفات الموضوعة والتي هي بالمناسبة مواصفات دولية ولكننا لا يمكن أن نعمم ذلك على جميع المقاولين.
لقد طالبنا الحكومة كثيرا بتخصيص أراض لإنشاء مساكن للعمال عليها بعيدة عن الأحياء السكنية للمواطنين ولكن للأسف لم يتم الاستجابة لهذا الطلب.
الشيء الآخر هو أنه عندما يوقع العامل على عقد العمل مع المقاول فإنه يجب علية الالتزام بهذا العقد, البعض يقول إن راتب 60 دينارا للعامل أجر مجحف وأن هذا العامل لا يمكنه العيش والسكن بهذا الراتب البسيط، ولكننا نقول إن العامل لم يجبر على هذا الراتب عند توقيعه العقد فكان بإمكانه أن يرفض ذلك, الأمر الآخر أنه عندما تضع حكومة البحرين حد أدنى للرواتب فإننا سنلتزم بذلك.
ازدياد وعي العمالة المهاجرة
* عبد الجليل النعيمي, برأيك هل هناك تأثير للنمو الاقتصادي الذي تشهده الهند في الفترة الحالية وهبوط سعر الدولار مقابل الروبية الهندية بما يقارب 17 في المئة فيما حصل من إضرابات بالنسبة للعمالة الهندية ولماذا اقتصرت الإضرابات على هذه العمالة بالذات ولم تشاركها العمالة من البلدان الأخرى التي تمر بهذه الظروف نفسها؟
- عبد الجليل النعيمي: لا يمكن تبسيط الأمر والقول بأن هذه الإضرابات كانت نتيجة تصريحات السفير الهندي, يجب النظر إلى هذه المسألة من خلال حجمها العالمي وسياقها التاريخي, فإن كان حجم حركة العمالة بين دول العالم في العام 1960 في حدود 3.2 ملايين عامل فإنها ارتفعت لتصل إلى 35 مليون عامل في العام 1995 وفي العام 2005 وصلت إلى 191 مليون عامل, إن ازدياد حجم العمالة يسير أيضا في عالم متغير من حيث الجوانب الحقوقية والتغيرات السياسية حول العالم وارتفاع وعي الطبقة العاملة المهاجرة من وعي بسيط إلى وعي مركب ولذلك فإن المطالب الحقوقية للعمال ستزداد في المستقبل.
من جهة أخرى فإن العوامل الاقتصادية سواء في البلدان المصدرة للعمالة أو البلدان المستوردة للعمالة تؤثر بشكل كبير في هذه العمالة, فإذا كان في العام 2005 شكلت تحويلات العمالة المغتربة إلى بلدانها 67 مليار دولار كان نصيب الهند منها 23 مليار دولار وإن قارنا هذا المبلغ بالاقتصاد الهندي نجد أنه يشكل نحو 80 في المئة من الصادرات الهندية من السلع والخدمات وهو يمثل جانبا مهما جدا في الاقتصاد الهندي.
في ظل هذا العالم المتغير فإنه بالتأكيد ستزداد ضغوط البلدان سواء لحماية مصالح عمالها الاقتصادية أو ما يتعلق بحقوق الإنسان لهذه العمالة, والسؤال كيف نكيف أنفسنا في هذا العالم المتغير؟ إذا لم يتنبه القطاع الخاص لدينا لذلك ويتعذر بأعذار ليست في مصلحته على المدى البعيد, فإن الأمور ستزداد تعقيدا.
بالطبع المشكلة ليست فقط في القطاع الخاص, وإنما في الدورة الاقتصادية ككل, هناك توجه مع ارتفاع أسعار النفط إلى القطاعات الأكثر سهولة والأكثر ربحية وخصوصا قطاع الإنشاءات الذي يعتمد بصورة كبيرة على الأيدي العاملة الرخيصة الأجنبية.
إن الأرقام التي سأوردها الآن مستقاة من منظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية والمخابرات المركزية الأميركية.
الاعتماد على الأيدي العاملة الرخيصة مضر للاقتصاد الوطني بسبب أنه يستخدم كبديل للتقنية الحديثة, فخلال العشر سنوات الأخيرة تراجعت إنتاجية العامل لدينا بمقدار 30 إلى 35 في المئة, كما انعكس ذلك أيضا على العمالة المحلية ما زاد من نسبة البطالة لدينا فعلى رغم أننا نحترم أرقام وزارة العمل إلا أن هناك أيضا مؤشرات أخرى تشير إلى أن نسبة البطالة لدينا وصلت إلى 15 في المئة واحتمال ارتفاعها إلى 33 في المئة خلال السنوات المقبلة، كما يشير إلى ذلك تقرير بنك «إتش إس بي سي» كما تشير تقارير أخرى إلى احتمال زيادة نسبة البطالة في الفئة العمرية بين 16 و24 سنة إلى 30 في المئة خلال السنوات المقبلة.
ولذلك فإنني أرى خللا في التركيبة الاقتصادية لدينا وفي توجه القطاع الخاص إلى قطاعات اقتصادية محددة والأيدي العاملة الرخيصة وعدم إدخال التقنيات الحديثة في عمليات الإنتاج.
- ناس: هناك تصور خاطئ لدى الكثيرين متصل باعتماد قطاع الإنشاءات على الأيدي العاملة الرخيصة, خلال فترة الستينات والسبعينات كان مجمل العمالة في هذا القطاع بحرينية وعمانية, في حين كانت العمالة الهندية تسيطر على الوظائف العالية إذ كانوا يعملون مشرفين و محاسبين, وبعد حركة الإصلاحات في عمان انتقلت العمالة العمانية إلى وطنها ومع الطفرة النفطية أصبح هناك نقص كبير في العمالة الفنية لدينا ومع التطور الاجتماعي في البحرين فإن الشباب يرفضون العمل في هذا القطاع , وهذا ليس لدينا فقط، إن العاملين في هذا القطاع سواء في أميركا أو أوربا من العمالة المهاجرة.
فيما يخص البطالة لدينا والتي ذكر الأخ جليل النعيمي أنها وصلت إلى 15 في المئة، فمن خلال أرقام المشروع الوطني للتأمين على التعطل فإن المتقدمين للحصول على مبلغ التأمين لم يتجاوزوا 13 ألف شخص منهم 8 آلاف امرأة من الثمانية آلاف امرأة هناك 80 في المئة منهن أعمارهن فوق 45 سنة وجميعهن ربات بيوت ولم يعملن في أي عمل سابقا وليس لديهن أي مؤهل، ما يعني أن الباقي من الرجال لا يتجاوز 3500 إلى 4000 عاطل عن العمل وعندما سألنا العاطلين عن العمل الراغبين في العمل في قطاع الإنشاءات تقدم لنا 360 شخصا فقط فكيف يمكن لهذا العدد أن يغطي احتياجات قطاع المقاولات الذي يستوعب ما يقارب من 200 ألف عامل.
حقوق العمالة المهاجرة
* فيما يخص العمالة الهندية, لا حظنا أن مطالب العمال المضربين لم تقتصر على زيادة الرواتب فالاتفاق الذي توصل إليه عمال شركة زخرياديس مع المسئولين في الشركة يقضي بإنشاء ملعب للكريكت وتحسين مستوى السكن والخدمات الصحية ما يعني أن مطالب العمال كانت في معظمها تتعلق بحقوقهم في حياة كريمة, في حين تنتقد المنظمات الحقوقية العالمية الدول الخليجية لمعاملتها للعمال الوافدين وتقول هذه المنظمات إن هذه الدول تنتهك حقوق الإنسان؟
- ناس: لقد ناقشت مع وزير العمل موضوع إضراب شركة زخرياديس وقال الوزير إن سكن عمال الشركة من أحسن المساكن العمالية في البحرين.
عيسى الغائب: عند الحديث عن الحقوق العمالية فإن حق العمال في الإضراب حق مشروع تماما, إن البحرين مصدقة على الاتفاقات المرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية والتي تؤكد على أن العامل يجب أن يعيش حياة كريمة بغض النظر عما إذا كان هذا العامل مواطنا أو وافدا. البحرين غير مصدقة على أية اتفاقية مرتبطة بحقوق العمالة المهاجرة كما أنها غير مصدقة على اتفاقية المفاوضة الجماعية وهذه مشكلة كبيرة إذ إن هذه الاتفاقيات تضمن العيش الكريم للعامل وعائلته كما تضمن له حرية التعبير والمعتقد والتعليم لأبنائه, كما أن قانون العمل في البحرين مخالف في كثير من بنوده لاتفاقات منظمة العمل الدولية كما أن هذا القانون لا يشمل خدم المنازل, كما أن هناك مآخذ على قانون الكفالة.
فيما يتعلق بظروف العمل لقد قمنا بزيارة لمواقع سكن الكثير من الشركات ووجدنا أنها مخالفة لجميع المعايير الدولية, لقد وجدنا في أحد المساكن سجنا للعمال ولقد تم بالفعل سجن أحد المهندسين الأجانب في هذا السجن بتهمة تسريب بعض المعلومات. كما أن بعض الشركات لا تسمح لعمالتها بالخروج من السكن حتى في غير أوقات العمل ووجدنا أن إحدى الشركات لا تسمح لعمالتها إلا بالخروج لمدة ساعتين أسبوعيا إذ تأخذهم إلى إحدى البرادات الكبيرة وتحت مراقبة أفراد الأمن في الشركة, أليس هذا انتهاكا لحقوق الإنسان, هناك أيضا من يجبر عماله على العمل لأوقات إضافية من دون مقابل مادي. حتى ظروف العمل مخالفة لقوانين الدولة, فمثلا قرار وزارة العمل بالتوقف عن العمل من الساعة 12 وحتى 2 مساء في أشهر الصيف تحت أشعة الشمس المباشرة لم يطبقه المقاولون فكنا نلاحظ الكثير من العمال يعملون في هذا الوقت في الشوارع.
نحن نرى أنه يجب على البحرين أن تصدق على الاتفاقيات الدولية الخاصة بالعمالة المهاجرة.
* ما هو دور وزارة العمل في الحد من الانتهاكات التي ذكرها الأخ عيسى الغائب ورصدتها جمعية البحرين لحقوق الإنسان وكيف تنظر الوزارة لعمليات الإضراب التي يقوم بها العمال الأجانب؟
- عبد كريم الفردان: إنني اتفق مع ما ذكره الأخ سمير ناس بشأن أسباب الإضرابات الأخيرة, فلقد حدثت حتى الآن سبعة إضرابات في حين تم التهديد بالقيام بإضراب في شركة حبيب عواجي لكنه لم ينفذ, وكان سبب هذه الإضرابات الفهم الخاطئ لتصريحات السفير الهندي, على رغم أن هناك أسبابا أخرى, ففي الساعات الأولى لقيام الإضرابات كنا نزور مواقع العمل وكنا نلاحظ أن العدد الأكبر من المضربين هم من العمالة الهندية على رغم وجود مضربين من العمالة الباكستانية والعمالة البنغالية.
وكان العمال يرفضون الحديث عن مطالبهم لنتمكن من رصد إن كانت هناك أية انتهاكات للحقوق العمالية في الشركة.
التضخم والعمالة الهندية
* يطرح المقاولين وأصحاب الأعمال سؤال عن إمكان فرض الحكومة الهندية حد أدنى للأجور لعمالتها في الدول الخليجية ما يعني تدخلا مباشرا في السياسة العمالية في هذه الدول في حين أنه لا يوجد في الهند حد أدنى للأجور كيف ترد على ذلك؟
- مجشياني: إن ذلك تجرى دراسته الآن من قبل الحكومة الهندية, ولكن بالرجوع إلى أسباب الإضرابات الأخيرة فإن التضخم الحاصل الآن في جميع أنحاء العالم ومن ضمن ذلك البحرين بدأ يؤثر بشكل كبير على مستوى معيشة العمالة الهندية في البحرين, فالغلاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية أخذ جزءا كبيرا من مدخول العمال البسيط فإن كانت وجبة الغذاء أو العشاء تكلف العامل في السابق 400 فلس مثلا فإنها تكلفه الآن أكثر من 700 فلس، وإذا كان العامل يتسلم مثلا 60 دينارا شهريا فإنه يصرف هنا 40 دينارا على مأكله وملبسه ويبعث 20 دينارا لأهله ولكنه الآن لا يستطيع إرسال هذا المبلغ بسبب الغلاء, كما أن هبوط سعر الدولار بالنسبة للروبية الهندية خفض من الحجم الحقيقي الذي كان العمال يرسلونه إلى أهلهم في الهند فإن كانوا في السابق يرسلون 20 دينارا مثلا وهي تساوي 2200 روبية هندية فإن هذه العشرين دينارا تساوي الان 1800 روبية.
كل ذلك أدى إلى ازدياد الشعور بالغبن لدى العمال, لقد كان العمال يأتون إلى السفارة ويشتكون للسفير عن ذلك ويطالبونه بالحديث مع الحكومة البحرينية لإمكانية زيادة أجورهم وذلك لم يحدث في البحرين فقط وإنما في جميع الدول الخليجية ما استدعى أن يقوم السفراء الهنود بمخاطبة وزارة الخارجية الهندية لإيجاد حل لهذه المشكلة.
- النعيمي: إن جميع المطالب التي طرحها العمال والتي جرى الحديث عنها مشروعة في جميع بلدان العالم, ومن بين جميع هذه المطالب فإن المطلب الأكثر إلحاحا وهو قضية الأجر, فالعامل يمكنه أن يتنازل عن ظروف السكن وظروف العمل لكن لا يمكن له أن يتنازل عن تحسين مستوى الأجر, ليس صحيحا ما يقال من أنه مادام العامل قد وقع عقدا مع صاحب العمل وبذلك لا يمكنه المطالبة بتحسين أجره, لأنه في جميع أنحاء العالم تجرى مراجعة الأجور بشكل دوري, ذلك أولا، و ثانيا عندما وقع العامل العقد مع صاحب العمل فهل سيقوم صاحب العمل بمعاملته ضمن الأسعار الثابتة, إن ذلك يعد إجحافا, إن جميع الأسعار ترتفع بشكل أو بآخر ولا أظن أن هناك من يستطيع أن يتنبأ بحجم الارتفاع في أسعار مواد البناء بشكل مسبق, وبالتالي فإن الأجور يجب أن تعدل بناء على مستوى التضخم, ولذلك عندما يطالب العمال بتحسين أجورهم فإن ذلك من أبسط حقوقهم.
- مكي: لقد تسلمنا في الاتحاد العام للنقابات رسالة من العمال المضربين وبعد زيارتنا لهم في موقع سكن شركة زخرياديس استمعنا لمبرراتهم للإضراب, أولا بالنسبة للأجر, نتساءل هنا على أية آلية يحتسب هذا الأجر فالعقد الموقع من قبل سنة أو سنة ونصف في وضع اقتصادي مختلف ونسبة تضخم مختلفة لا يعني استعباد العامل وإجباره على العمل وفق هذا الراتب, وعلى رغم أنه لا يوجد حد أدنى للأجر في البحرين ولكن كم مرة قامت الحكومة بمراجعة الأجور لموظفي الحكومة, لقد قامت بتعديل الأجور لمرتين متتاليتين كما حدث ذلك بالنسبة للكثير من العمالة البحرينية في القطاع الخاص وذلك توافقا مع الوضع الاقتصادي والتضخم الحاصل.
ما يخص مشاهداتنا في سكن الشركة, هل يعقل أن سكنا يحتوي على 2000 عامل لا يوجد به غير أربعة «كولرات للماء يعلوها الصدأ, هل يعقل أن هذا العدد لا يوجد له غير 60 حماما، العمال يقولون إنهم ينتظرون دورهم للحمامات من الساعة الثالثة صباحا لكي لا يتأخرون عن العمل , في حين أن معايير وزارة العمل تلزم المقاول بتخصيص حمام واحد لكل عشرة عمال ما يعني أنه يجب أن يكون هناك 200 حمام وليس 60 فقط .
طرح العمال أيضا أن ثلاثة من زملائهم قد توفوا بسبب عدم وجود رعاية صحية أو سيارة إسعاف لنقلهم إلى المستشفى, في حين أن معايير وزارة العمل تفرض وجود عيادة صحية لكل 1000 عامل في موقع العمل و ما هو موجود في موقع الشركة مجرد غرفة صغيرة يحضر إليها ممرض واحد لمدة ساعتين فقط يوميا.
لقد أثار العمال ستة أسباب لقيامهم بالإضراب فبالإضافة لما ذكر سابقا قال العمال إنهم يصابون بإصابات عمل لكنها لا تحسب لهم, كما أن الشركة لم تحتسب لهم أي مقابل بدل العمل الإضافي الذي يقومون به ولمدة ساعة ونصف يوميا.
إن اكبر دليل على أن العمالة الهندية هي عمالة مسالمة هي موافقة العمال على الزيادة البسيطة التي عرضتها عليهم الشركة والتي تراوحت بين 15 دينارا و 8 دنانير.
أسلوب الكر والفر
* بالإضافة لإرجاع المقاولين سبب الإضرابات إلى تصريحات السفير الهندي قيل إن هناك من يحرض العمالة الهندية فإلى أي مدى يمكن أن يكون ذلك صحيحا؟
- عبد الجليل النعيمي: ما يقال عن وجود محرضين للعمال يدفعونهم إلى الإضراب, فإن ذلك يمكن أن يكون مختلقا بهدف الهروب من المشكلة بدل التصدي لها, وبافتراض أن ذلك صحيحا وأن هناك عناصر شيوعية أو يسارية تحرض العمال على الإضراب, فإن هؤلاء العمال ينتمون إلى بلد له تقاليد سياسية عريقة جدا ويجب احترام هذه التقاليد, وما يذكر من أن السفارة قد صرحت بأمور ومن ثم تراجعت عنها فإن ذلك يأتي ضمن نطاق المطالبة بحقوق عمالها أو أسلوب الكر والفر وأن هذا الأسلوب سيظل مستمرا.
- عبد الكريم الفردان: من خلال زياراتنا الميدانية ومقابلتنا لمجاميع العمال في مختلف الشركات لاحظنا أن غالبية العمال يجهلون حقوقهم, ولذلك قامت الوزارة بالاشتراك مع هيئة تنظيم سوق العمل بطباعة بروشورات توزع على العمال في مساكنهم، كما قامت الوزارة وبقرار من الوزير بتدشين خط ساخن على مدار 24 ساعة لتلقي أي شكاوى بخصوص السكن أو الأوضاع المعيشية للعمال الوافدين؟
* وكيف ستتعاملون مع الإضرابات المقبلة؟
- الفردان: لا أظن أن الإضرابات ستستمر، لقد وجدنا من خلال الإضرابات الأخيرة أن الأسباب التي دعت العمال للقيام بذلك ليست أسبابا كبيرة وإنما تعديل بعض الأوضاع الخاصة بهم فقط.
- ناس: ما طرح من حديث عن أن العمالة في البحرين لا تتمتع بحقوقها وأنها مظلومة ومهضومة, فإنني أؤكد أن العمالة الأجنبية في البحرين محترمة من قبل أصحاب الأعمال لأنها قامت بتقديم خدمات كبيرة للبحرين, والحديث عن نظام الكفالة وأنه مناف لحقوق الإنسان فإن أردتم إلغاء هذا النظام فيجب أن يكون العامل كفيل نفسه ما يعني أن يكون مسئولا عن نفسه تماما في حال حدوث أي حادث له, لدي ما يقارب من 370 عاملا قد هرب من العمل منذ التسعينات وحتى الآن وقد رفعت ضدهم قضية ولكن هل تتصور أنني مازلت لحد الآن أدفع عنهم رسوم التأمين وإنني مسئول عن تذاكر سفرهم إلى بلدانهم، كما أدفع 100 دينار لوزارة العمل عن كل شخص في حين يقوم العمال الهاربون بالعمل لمدة سبع أو ثماني سنوات لدى صاحب عمل آخر وفي نهاية الأمر يستخرج له جواز سفر آخر من سفارته ويترك البحرين.
فيما يخص العمالة الهندية في موطنها, فلقد كان لدينا مشروع كبير في الهند في فترة الثمانينات وكان المدير التنفيذي للمشروع يستلم 5000 روبية هندية في حين كان يومية العامل الهندي 8 روبيات يوميا...
- مجشياني: كان ذلك من قبل 20 سنة تقريبا.
- ناس: يومية العامل الهندي الآن في الهند تتراوح بين 120 إلى 150 روبية وأكثر العاملين هناك في قطاع الإنشاءات هم من القرى الذين يذهبون للمدن ويعملون لدى المقاولين لأيام معدودة وليس لمدد طويلة ولا توجد هناك عقود بين العامل والمقاول, ولكن عندما يأتي العمال الهنود إلى البحرين فإن لديهم عقودا ولديهم أمن وظيفي لمدة سنتين على الأقل, ولكن المشكلة أن وكلاء السفر في الهند يأخذون مبالغ كبيرة جدا من هؤلاء العمال قد تصل إلى 1500 دينار.
- الغائب: أولا ما أثير من أن هناك خلية شيوعية تعمل في البحرين فإن لكل شخص سواء مواطن أو أجنبي حرية المعتقد.
- ناس: لا دخل لي بمعتقدهم ولكنهم محرضون للعمال.
- الغائب: إن العمال طبقة مضطهدة تطالب بتحسين حياتها المعيشية والمادية لكي تستطيع أن تحول بعضا من المال لعوائلها في الهند وذلك ما أتت من أجله إلى البحرين لتحسين ظروفها المعيشية.
ثانيا ما يتعلق بنظام الكفيل, فإنني أرى أن هذا النظام يجب أن يلغى فهذا النظام مخالف لجميع الأعراف الدولية, كان هناك قرار وزاري في السابق يتيح للعامل الأجنبي أن ينقل إلى رب عمل آخر في حال عدم دفع راتبه لثلاثة أشهر متتالية من دون إذن رب العمل الأصلي وهذا القرار قد أوقف العمل به, لماذا لا يطبق هذا القرار الآن أليس من حق العامل إذا لم تدفع رواتبه لثلاثة أشهر أن يبحث عن رب عمل آخر؟ من أين سيعيش هذا العامل ومن أين سيأكل إذا كان لا يتسلم راتبه؟
- النعيمي: عندما يقول ممثل وزارة العمل إن الإضرابات ستتوقف في البحرين بعد توضيح السفارة, وان القضية قد حلت فإن ذلك يعني تبسيط الموضوع, دعنا نلاحظ ما يحدث في الجوار وكيف تطورت الأمور في دبي فالإضراب الذي حدث في شهر مارس من العام 2006 شارك فيه 7000 عامل يمثلون ست جنسيات, المسألة إن لم تؤخذ بجدية حقيقية فإنها ستتطور في غفلة منها, نحن لا نرمي إلى بث الاتهامات ولكننا نرى أن أمامنا مشكلات يجب التصدي لها بشكل لا تفوت علينا فرص الحل بعد سنوات.
المسألة الأخرى أن ارتفاع الأجور في الدول المصدرة للعمالة يمثل ضغطا على دولنا, ففي السابق كانت البلدان المصدرة للعمالة تصنف على أنها تمارس دورا ضاغطا على عمالتها من أجل الطاعة العمياء لأنها تمثل موردا رئيسيا لها, الآن تغير الوضع لأن هذه الدول أصبحت مجبرة على احترام حقوق عمالتها نتيجة للتطور العالمي في مجال حقوق الإنسان.
خلال خمس سنوات ...دول الخليج ستعاني نقص 5 ملايين عامل
توقعت دراسة أن يصيب مشروعات التنمية الكبرى في دول الخليج نقص في الأيدي العاملة يبلغ نحو خمسة ملايين عامل على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وجاء في الدراسة التي عرضت حديثا في منتدى نظمه معهد إدارة المشاريع أن السعر الإجمالي للمشرعات النشطة والمخطط لها في الخليج تقدر بنحو 9ر1 تريليون دولار.
ونقل عن نائب رئيس معهد إدارة المشاريع فرع الخليج العربي عبد المجيد القصاب أن النمو الكبير للاقتصاد الأسيوي وخصوصا في الهند أدى إلى زيادة رواتب هذه العمالة بشكل كبير في موطنهم ما يعنى أنهم ليسوا حريصين على العمل في الخليج. وأضاف أن المشروعات في الخليج تعتمد بصورة كبيرة على العمالة الآسيوية الماهرة.
العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ