كنت أتناول طعام الفطور في صباح أحد الأيام عندما ألقى والدي مجلة «نيويورك تايمز» أمامي.
«قد ترغب بقراءة هذا المقال. أعتقد أن هذه البلدة هي التي ستدرس اللغة العربية فيها»، أخبرني مشيرا إلى مقال يصف زيارة مراسلة لمجلة «التايمز» إلى تطوان بالمغرب، حيث قامت بتقصي حياة ستة من الشباب ذهب خمسة منهم إلى العراق بذريعة الحرب المقدسة وشارك السادس بتفجيرات القطارات العام 2006 في مدريد.
تطوان، التي تعني «العيون» باللغة البربرية المحلية، بلدة متواضعة يسكنها 300،000 نسمة في شمال المغرب، تقبع بين سلسلتين من الجبال، إذا قمت بتسلقها في يوم مشمس واضح تستطيع رؤية مياه البحر الأبيض المتوسط الزرقاء.
بعد شهر من نشر المقال كنت أسير في شوارع المدينة القديمة المزدحمة حيث تباع أقراص نسخ غير قانونية عن آخر الأفلام الغربية وجلود الخراف المغربية التقليدية جنبا إلى جنب.
شكلت تطوان تقليديا تقاطع طرق للثقافات الأوروبية والعربية، وهي حقيقة تجعل المنطقة ذات غنى ثقافي، الأمر الذي أدى أحيانا إلى التوتر. يقف الكثير من المغاربة موقف المتفرج بينما يحصل جيرانهم الأوروبيون، مثل هؤلاء في إسبانيا، على معدلات معيشية أعلى، ويتخلفون هم وراءهم.
وقد استفاد الزعماء الدينيون المتشددون من مشاعر الإحباط التي يعاني منها الشباب العالقون بين مجتمع محافظ وأسلوب حياة علماني بدأ ينساب إلى داخل بلدهم ومجتمعهم.
أثناء إقامتي دُعيت لتناول طعام العشاء في منزل صديق. وخلال العشاء سألتني والدته لماذا أنا في المغرب. أجبتها أنني أردتُ كطالب علاقات دولية أن أدرس اللغة العربية.
«يأتي الأميركيون إلى هنا ويتعلمون عنا» أجابتني، «ثم يقومون بقصف الشرق الأوسط بالقنابل».
سارعت بدحض هذا الادعاء، ثم واصلنا تناول طعام العشاء، كأن أمرا خلافيا لم يجرِ الحديث عنه.
على رغم شهرة المغاربة من حيث كرمهم تجاه الزائرين من الغرب، كان من الواضح أن الكثير منهم محبطون من الاستعمار الغربي في الماضي والسياسات الخارجية الأميركية الحالية.
بينما كنت أتناول الشاي المغربي في إحدى الأمسيات مع زياد مدير معهد اللغة الذي كنت أدرس فيه سألته عن الشباب الذين قرأت عنهم. أجابني أنه هو أيضا قرأ المقال في مجلة النيويورك تايمز، وأنه ذعر للمعاني الضمنية فيه.
أشار زياد بعد ذلك إلى جزء من المدينة هو الحي الذي أتى منه الشباب. لم يكن هناك الكثير من الضوء من تلك المنطقة. الفقر مسيطر في ذلك الحي بالذات. الكثير من الشباب أغواهم الزعماء الدينيون المتشددون بسهولة إذ وعدوهم بالمجد الأبدي من خلال اتباع طراز متشدد من الإسلام ضد القوى الغربية.
ولكن إذا كان هذا العدد الكبير من المغاربة يشعر بهذه الإحباطات فلماذا لا يجرى دفعهم إلى ذلك النوع من التطرف العنفي كما حصل مع الشباب موضوع المقال؟
تقول إحدى النظريات إن عوامل متنوعة تلعب دورها. عندما توجد مكونات معينة كالأوضاع الاقتصادية الاجتماعية السيئة (شعور بأن حياتهم لا هدف فيها) والشعور الديني العدواني (أسلوب لإعطاء معنى لحياتهم) والإحباط السياسي (رمز يمكن الاحتجاج عليه والتظاهر ضده) قد يصبح الرجال والنساء أكثر قابلية للانخراط في العنف.
عند اقتراب نهاية إقامتي في المغرب بدأت أتساءل لماذا نركز نحن في الغرب على أناس، مثل بعض الشباب من تطوان، الذين اختاروا سبيل العنف، بينما يتشارك معظم المغاربة بآمال السلام نفسها مع الشباب في الغرب؟
يتوجب على الأميركيين والمغاربة على حد سواء أن يجمعوا المعرفة والموارد لإيجاد سبل ليحاربوا معا العوامل المتنوعة التي قد تؤدي إلى التطرف العنفي. إذا قمنا ببذل الجهود لفهم جيراننا في العالم ومساعدة بعضنا بعضا في البحث عن حلول، نستطيع البدء باتخاذ خطوات لحل مشكلة التطرف العنفي.
بعد أسبوع واحد، وفي يوم عيد الميلاد، كنت قد تكلمت أمام صف من الطلبة المغاربة. سألني الكثير منهم لماذا حضرت إلى المغرب؟، بدلا من الرد كما فعلت في السابق، مخبرا إياهم عن رغبتي في تعلم اللغة العربية ودخول مجال العلاقات الدولية، أصبحت أعي أن مهمتي الحقيقية هي العمل كدبلوماسي مدني، لأنه توجد هناك عدة مجالات لسوء الفهم بين شعوبنا وثقافاتنا.
رغب هؤلاء الطلبة بمعرفة المزيد عن بلدي، تماما كما رغبت بمعرفة المزيد عن بلدهم.
هذه الرغبة بفهم بعضنا بعضا تشكل خطوة أولى نحو العمل معا لإيجاد حلول لموضوعات أوسع.
أستطيع أن أرى في عيونهم الأمل نفسه الذي يتشارك فيه أصدقائي في أميركا، بناء السلام عبر الثقافات أثناء حياتنا.
* طالب دراسات عليا يدرس الدبلوماسية والشئون الدولية بكلية وايتهيد للدبلوماسية في جامعة سيتون هول بنيوجيرسي، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند» في إطار برنامج «وجهات نظر الشباب»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ