الأكثر من الدلالات التي خرجت بها التصريحات الأخيرة لجلالة الملك خلال استقباله أهالي قريتي المرخ والقلعة هو توجيه جلالته وتأكيده لقاعدة سرت عليها الأعراف السياسية والاجتماعية في دول الخليج كافة منذ مراحل تأسيسها في السبعينات من القرن الماضي. وعليه، كانت كلماته المؤثرة عن أن ما يملكه من أراضٍ هو ملك لأبناء البحرين كافة هي تأكيد وإثبات أن للحكم أهله، وأن للتجارة أهلها.
الذي استذكرناه من تصريحات جلالة الملك هي مواقف عدة خرج بها قادة خليجيون كبار وسمعناها منهم، أولهم كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد آل نهيان (رحمه الله)، وقادة خليجيين كبارا وضعوا كلماتهم في سياق الفصل الواضح بين الحكم والتجارة، وأتت كلمات جلالة الملك لتؤكد هذا التوجه في البحرين وهو توجه ذو أبعاد كثيرة يدركها المواطن البحريني ويتفهم أهميتها بدقة.
ما لجلالة الملك هو للناس ليست تصريحات مجازية ولا يجب أن يفهمها أحد في هذا السياق، بل هي إقرار من هرم الدولة الأعلى وتجديد وتأكيد - وتذكير لمن نسي من كبار مسئولي الدولة - ضرورة الاستمرار والمتابعة في هذه المرحلة السياسية الجديدة في البحرين، وهي مرحلة دستورية تحفظ للعائلة المالكة سيادتها على الدولة، وهي سيادة لا خلاف فيها أو عليها. وتؤسس في الوقت نفسه لمشاركة حقيقية بين الحاكم والمحكوم في تكامل وتفهم لحاجات الناس التي تزداد وتيرتها كل يوم.
والأكثر من دلالات هذه التصريحات أيضا هو أننا بتنا نلمس بوضوح أن بعض مراكز القوى في الدولة باتت تعيش حالة من التأخر في مواكبة طموحات جلالته وقناعاته التي أطلقها أكثر من مرة وفي أكثر من محفل. لقد حملت كلمات جلالته على الدوام الكثير من المضامين المهمة التي لابد أن تكون الهدف الذي تسعى مؤسسات الدولة له.
ومن هنا، نخرج في المحصلة إننا نراقب هذه الفجوة بين الطموحات الملكية وطموحات سمو ولي العهد وبين ضعف بعض الأجهزة الحكومية وعجزها عن القيام بواجبات هذه المرحلة الانتقالية المهمة في عمر الدولة. وما تصريحات جلالة الملك الأخيرة إلا تأكيد جديد أن المشروع الإصلاحي لم يتوقف، وأنه وإن كان اليوم رهينا للتجاذبات الطائفية في المجلس النيابي فإن آفاق وفرص حلحلة الملفات لم تنتهِ بعد.
هذه هي البحرين بأهلها وملكها وشرائحها الاجتماعية كافة. ولابد أن نصدق أن ثمة بابا نستطيع العبور منه؛ لأننا إن أغلقنا الأبواب كافة فلن نجد حينها من يفتح لنا النافذة.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2018 - السبت 15 مارس 2008م الموافق 07 ربيع الاول 1429هـ