دعت وزيرة الاقتصاد السويسرية، دوريس لويتهارد، الشركات السويسرية إلى تحمّل المسئولية وإعطاء المثل في مجال حقوق الإنسان. وشددت الوزيرة خلال مشاركتها يوم 3 مارس/ آذار الجاري في مؤتمر لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية بـ مدينة «روشليكون» قرب زيورخ، على أن ضمان احترام حماية حقوق الإنسان لا يقع على عاتق الدول بمفردها بل على عاتق الفاعلين الاقتصاديين أيضا.
وهناك دلائل تشير إلى أن المزيد من الشركات، التي تدرك انعكاسات السمعة السيئة في مجال حقوق الإنسان، باتت تضع في الاعتبار هذه الإشكالية. ولحد الآن، وقعت أكثر من 3500 شركة - بما فيها 51 من الشركات والمؤسسات السويسرية - على الاتفاق العالمي للأمم المتحدة.
وقد جاء الاتفاق العالمي للأمم المتحدة ليشكل الإطار الذي يسمح للمؤسسات التجارية الملتزمة بمواءمة عملياتها واستراتيجياتها مع عشرة مبادئ مقبولة عالميا، في مجالات حقوق الإنسان والعمل والبيئة ومكافحة الفساد. وباعتبار الاتفاق أكبر مبادرة عالمية لخلق حس المواطنة لدى الشركات - إذ يشارك فيه آلاف الأشخاص من أكثر من 100 بلد من جميع أنحاء العالم - فإنه يعنى أولا وقبل كل شيء إظهار واكتساب المشروعية الاجتماعية للمؤسسات التجارية والأسواق.
بيد أن ذلك لم يكن دائما مفيدا للمجتمعات التي تعمل فيها بعض تلك الشركات، فقد أظهرت البحوث التأثير السلبي الذي يمكن أن تحدثه الشركات على الحقوق الإنسانية للأفراد والمجتمعات التي تتأثر بعملياتها. ويمكن للشركات أن تسبب الأذى، إما بانتهاك حقوق الإنسان بشكل مباشر، أو بالتواطؤ مع جهات أخرى تنتهك حقوق الإنسان. وعلى رغم احتمال التسبب بأذى كبير، فإن ثمة عددا قليلا من الآليات الفعالة على المستويين الوطني والدولي لمنع انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي الشركات، أو لمحاسبة هذه الشركات.
هذه الحالة السلبية هي التي دفعت تحالف «عين الرأي العام على دافوس» المناهض لمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي منح «جائزة عين الرأي العام» لأسوأ الشركات في المجالين الاجتماعي والبيئي. وحدد التحالف الذي يضم 10 منظمات غير حكومية من سويسرا والعالم جوائز من 4 فئات: حقوق الإنسان والعمال، والبيئة والمجال الضريبي.
وقد سبقت «التحالف» إلى ذلك مؤسسات الأمم المتحدة. ففي أغسطس/ آب 2003، صادقت اللجنة الفرعية للأمم المتحدة، المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، على معايير الأمم المتحدة بشأن مسئوليات الشركات متعددة الجنسية، المعروفة باسم معايير الأمم المتحدة. وتمثل هذه الوثيقة مجموعة المعايير الأكثر صدقية وشمولية فيما يتعلق بالشركات وحقوق الإنسان التي صدرت حتى اليوم. وفي أغسطس 2005، عيَّن الأمين العام للأمم المتحدة البروفيسور جون راغي ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الشركات وحقوق الإنسان.
ومع تزايد استخدام وسائل الاتصال الحديثة يتتابع الكشف عن معلومات جديدة كل يوم بشأن الأنشطة المناقضة لحقوق الإنسان للشركات العملاقة في دول الجنوب. وقد أصبحت أنشطة هذه الشركات موضوعا رئيسيا سنويا على أجندة المنتدى الاجتماعي العالمي في مواجهة قيادات تلك الشركات.كل ذلك دفع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لأن يعلن في العام 2000 عن مبادرة الأمم المتحدة التي عرفت باسم «الاتفاق الكوني» بغرض الترويج لمسئولية الشركات تجاه حقوق الإنسان والعمل والبيئة. غير أن المجتمع المدني سرعان ما فقد اهتمامه وإيمانه بتلك المبادرة الأخلاقية الطوعية، بعدما ظهر أنها مبادرة منزوعة الأنياب تختار الشركات الانضمام إليها من دون أية كلفة تذكر وفي غياب أي آلية للرقابة. بل إن إحدى هيئات الأمم المتحدة التي حققت في الاستغلال غير المشروع للموارد الاقتصادية إبان أزمة الكونغو الديموقراطية انتهت إلى إدانة ثلاث شركات متعددة الجنسية بالتورط في هذه الأنشطة، ثم ثبت أن الشركات نفسها كانت تحمل عضوية رسمية في مبادرة الاتفاق العالمي.
ونتيجة فشل المبادرة هذه توافقت المنظمات الحقوقية على أن تلقي بثقلها خلف الجهد الذي بدأته اللجنة الفرعية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان بالأمم المتحدة منذ العام 1998 لإصدار وثيقة أكثر صرامة، وهو الجهد الذي انتهى بصدور «مسودة مبادئ ومسئوليات الشركات المتعددة الجنسية تجاه حقوق الإنسان». وبينما كانت الوثيقة محل تناول من كبريات صحف ومنظمات الغرب فإنها على أهميتها لم تحظَ في الأوساط العربية بالاهتمام الذي تستحقه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2016 - الخميس 13 مارس 2008م الموافق 05 ربيع الاول 1429هـ