تتابعا مع المقالة السابقة عن نسبة المكتئبين من كبار السن من البحرينيين الـ 44 في المئة والتي أرتأيت أنها سوف تطال قريبا الجموع الأخرى نظرا لسوء الأوضاع المادية والتي عادة تصاحبها مزيدا من السوء للأوضاع الاجتماعية!
نظرا لازدياد شبح الفقر وتقليص حتى الطبقة المتوسطة. إنّ التمدد الحضاري والمعماري الذي امتطت به البحرين وتوسعت بأضعاف الأضعاف عن حجمها الطبيعي الصغير! قد تسبب في الكثير من الجروح والمآسي مما خلق أجواء نفسية عقيمة وسيئة للغاية!
وإن ارتفاع أسعار النفط لم يضف شيئا إلى تلك الطبقات ذات الدخل المحدود أو دون الدخل أحيانا! وباتت تعاني البؤس والشقاء وبثوب جديد أكثر قسوة وشراسة!
وهي أضافت على الحكومات ومالكي الثروات (الأغنياء) المزيد مما بات يوزع على تفاهات الحضارة والشكل الجديد الذي تحاول الدولة من خلاله القول إنها تصطف في صفوف الدول الغنية بشوارعها وإضاءاتها وفنونها وثقافاتها التي تركز على طبقة معيّنة شبعانة! أو سطحية! وباتت السماء وكأنها تمطر نقودا على رؤوسهم! ودون حساب لما تبقى لمحدودي الدخل بعد أن امتلأت البحار وتغطيتها بناطحات السحاب والمشروعات السياحية العملاقة والجزر المرفهة لخدمة الأجانب والغرباء! الغازين للمنطقة كسُيّاح!
ماذا بعد أن حرم الشعب من أهم مصدر للغذاء والذي كان قوتهم اليومي قبل ظهور النفط!
وتوقفت ناقلات صيد الأسماك لهروب الأسماك بعيدا بعد أنْ هدموا أماكنها واحتلتها الحجارة والإسمنت المسلّح الحديدي! ماذا بعد أن أصبح الشعري بثلاثة دنانير والصافي بخمسة... وباتوا يبحثون عن العفطي والأسماك الصغيرة؛ ليتعيشوا على عظام الأسماك بعد أن حُرموا من رؤية ما قد تعوّدوا على أكله من أسماك أو شم رائحتها ! وهي في المقلاة!
فيا حسرتاه ! باتت العيون مدمعة وكئيبة، وكيف لي أنْ أقول لهم أو أشرح الطرق لمقاومة الإكتئاب! أراني عشت يومها واقعا خياليا مريرا، حينما طالبت في البعد عنه وتيسير الأمور...
وندمت بعدها على رغم من أنّ البعض قد راقت له ولكن يبدو أنهم من الذين يشترون السمك بخمسة دنانير! للكيلو...
أمّا الآخرون ممن يعانون غلاء هذا الزمن في كل شيء وفجأة! قد رأوا أنّ توقيت تلك المقالة ربما لم يكن مناسبا! فالأمور هذه الأيام هي لا تشجع على الاكتئاب فقط... بل قد تدفع البعض إلى الانعزال التام أو ربما محاولة الانتحار للتخلّص من معاناتهم اليومية والتي قد أغلقت أبواب الحلول في أوجههم ولايبدو أنّ المسئولين سيشعرون بتلك المعاناة! فما زالوا دون حلول للمواجهة الحقيقية للغلاء!
فزيادة الرواتب أوتوزيع أي نسبة مالية لا تتناسب إطلاقا مع سوء الأوضاع والحاجة باتت ملحة إلى حلول جذرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في تردي الأحوال المعيشية!
فكيف لأب يعول عشرة من الأبناء وهو لا يملك الوسيلة لإطعامهم وحينما يكبرون لا يجدون عملا؟ وغير ذلك الكثير من الأمثلة!
إنّ الفاقة التي تمر بنا وتكاد تلتهم البعض ستتسبب في تغيير النمطية الأخلاقية لهؤلاء رغما عنهم لظروف الحاجة وستنتشر السرقات والرشى والكذب والتخريب العشوائي... والتي بات تأثيرها جليا وستزداد الانتماءات الشكلية والأضرابات واستقطاب كل محتاج واستغلالهم في الشغب وخراب الديار! (وكلّه بثمنه)!
وأمّا التغيير في التركيبة السكّانية وملء البلاد بالأجانب عن طريق التجنيس السريع في الأماكن الحساسة والوظائف الدسمة ذات المدخول المرتفع الذي بدأ يثير حفيظة أهل البلاد وغيرتهم من القادمين المدللين ومَنْ يأخذون قوتهم ورزقهم من دون حق... مما ستكون له الآثار السلبية وحتمية احتسابه!
فالاعتداءات الجسدية واللفظية والتهكم بالمواطنين من قبل هؤلاء ترينا الهوّة والفجوة التي خلقها ذلك التجنيس! هذا عدا انتشار السلوكيات المستوردة من انتشار المخدرات والدعارة والموبقات في محاولة للكسب السريع.
ولا عذر للحكومات إذا لم تتدارك مثل هذه الأمور الحساسة كما يجب! وتصحيح مسار توزيع الثروة وتوقيف التجنيس العشوائي والذي لا أساس له!
فأبناء هذه البلاد هم الأولى بحصاد الخير لتأمين حياتهم أوّلا وقبل أي عطاء للغرباء! وتأمينهم بسكن لكلّ محتاج وتشغيل كلّ العاطلين أو تعويضهم برواتب لما يجري في الدول المجاورة والعالم! المتقدّم! علّنا نتجنب ثورة المظلومين بالتمتع في خيرات بلادهم الوفيرة ونتعظ من دروس التاريخ، وغضب الجائعين
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 2015 - الأربعاء 12 مارس 2008م الموافق 04 ربيع الاول 1429هـ