تتواصل الإضرابات العمالية في عدد من المنشآت البحرينية، وهذه الإضرابات منشأها العمال الهنود بصورة رئيسية، ويبلغ عددهم حاليا 275 ألفا، وهذا يمثل أكثر من ربع السكان، كما يمثل أكثر من نصف عدد المواطنين. والمشكلة أكثر تعقيدا من مطالب بتحسين ظروف العمل (وهو حق للعمال المواطنين والأجانب من دون تفريق).
ففي حين كان بعض النواب يسعون إلى شق اتحاد النقابات بهدف طأفنة العمل النقابي وخلق نقابات على أساس الطائفة، وموالية لكل ما يريده بعض المسئولين، وفي حين تم تمرير قانون معدل من النواب إلى مجلس الشورى لإفساح المجال لتعددية النقابات، وفي حين تستمر «إدارة البريد» بإنزال أقصى العقوبات ضد نائبة رئيس النقابة لديها، وفي حين تواصل الحكومة منعها للعمل النقابي في القطاع العام خلافا لالتزاماتها الدولية، وفي حين بدا كل شيء يسير بحسب الخطة المرسومة لتفريق كياننا المجتمعي، ظهرت فجأة الحركة العمالية الهندية وبقوة لتطرح مطالبها بشكل يتناغم مع الضغط الدولي القادم من لجان وآليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والتي لم تتوقف عن الضغط على دول الخليج لاعتماد الاتفاقية الدولية لحقوق العمال المهاجرين.
وعلى رغم تنازل الحكومة الهندية أخيرا عن فكرة الحد الأدنى لأجور عمالتها (وذلك بسبب ضغط شركات التوظيف الهندية المستفيدة من تصدير العمالة إلى بلداننا)، وعلى رغم مبادرة عدة شركات لرفع مستوى المعاشات للعمال الهنود بنحو 15 إلى 20 في المئة أو حتى أكثر، وعلى رغم تهديد أصحاب الأعمال بتوجههم إلى النيبال وسريلانكا وفيتنام لاستجلاب العمال... على رغم كل ذلك فإن حركة العمال الهندية مستمرة في قوتها وعنفوانها.
العمال الهنود أصبحوا يشكلون مركز ثقل الطبقة الكادحة في البحرين، وبحسب تصريحات لسياسيين هنود، فإن الحزب الشيوعي الهندي بدأ بتنظيم صفوف بعض العمال الهنود في منطقتنا، ولذلك فإن العمل الذي نشهده حاليا ربما لايكون عشوائيا، فهو يتناغم مع الأجندة الدولية ومع أجندة العمل السياسي داخل الهند. كما أن عددا غير قليل من الهنود أصبحوا بحرينيين (بسبب حملات التجنيس الكبيرة )، وهؤلاء لهم الحق الكامل بكل ما لدى البحرينيين من حقوق مدنية وسياسية. وإذا كان البحرينيون منشغلين بقضايا تافهة تنحصر في الطأفنة والتمييز والتفتيت الذاتي لنسيجهم، فإن الحراك السياسي المنظم على أسس عمالية، ومنسق عبر تنظيم وتوجيه محكم، ليس محصورا في الزوايا الخانقة التي يحصر البحرينيون (رسميون وموالون ومعارضون) أنفسهم فيها.
العالم يتغير بشكل سريع، والعولمة تعني أن التأثيرات السياسية لا يمكن منعها أو التحكم فيها كما يمكن للحكومة أن تفعل مع مواطنيها الأصليين. فنحن نشهد في العام 2008 ولادة الحركة العمالية المنظمة بكفاءات مختلفة ولغات لا نفهمها وتوجهات معولمة... وإذا كانت الجهات الرسمية استطاعت ضرب وتحجيم الحركة النقابية الوطنية في 1938 و1956 و1965 و1974، واذا كانت بعض الجهات تتحرك الآن لخلق نقابات مطأفنة، فإن لكل هؤلاء «مفاجآت هندية»، واحدة تلو الأخرى، فإخواننا الهنود ليسوا شيعة أو سنة ولا يمكن السيطرة عليهم بالوسائل التقليدية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2015 - الأربعاء 12 مارس 2008م الموافق 04 ربيع الاول 1429هـ