يعرف الإبداع بأنه خروج عن النمط السائد لفكرة معينة أو تصور لشيء معين بما هو مغاير له، لذلك نجد أن ما يوصف بالإبداع اليوم، هو نتيجة لعمل كان في فترات سابقة أمرا غير موجود، وأبدعه عالم أو صانع أو فنان أو أديب، وأثرى به الحضارة الإنسانية وخزنة الإبداع.
وإن كان الإبداع هو محرك التطور، إلا أنه ظل حبيسا لسنين طويلة رهن فكر يجعله رديف البدعة المحرمة؛ وأنتج ذلك بوتقة احتوت الأفراد المعطاءة بفكرها ونتاجها غلافها الدين والأعراف الاجتماعية، وجعلوهم عرضة للرجم آن خرج أحدهم بما يخالف ما اعتادوا عليه.
أدى ذلك مع تواتر السنين إلى اختلال الميزان، فأصبحت دول العالم تنموا في مجالات العلوم والفنون والآداب، واقتصرت الإبداعات في المنطقة على أعداد متواضعة ممن أُشبعوا نقدا وتجريحا لما يقولون ويفعلون.
الموضوع ليس دعوة للتمرد على أعراف المجتمع والدين السائد فيه، لكنه أمل مكتوب، بأن يرى الناس في الفضاء الأزرق ما هو أبعد من ذلك؛ بأن ينظروا لما حققته الحرية والقبول للرأي الغريب والمخالف للمعتاد في مختلف أنحاء العالم من تراث إنساني وحضاري، إذ حينما كان الرسم التصويري عندنا محرما، كانت أقوى الأعمال الفنية العالمية ترسم؛ وحينما كان النحت ضلالة وكفر، حفرت معاول الفنانين العالميين أروع الأعمال؛ وحينما كان الشاعر والكاتب يحاربان لما يكتبانه من وحي خيالهما، صيغت أروع الأعمال الشعرية والأدبية العالمية، وكان المجتمع يتقبلها بكل رحابة وتفهم لما يحتاجه هذا المبدع من حرية في التعبير عن ذاته ومشاعره.
لابد من أن يحتوي المجتمع أي مبدع، فلا يكفر ولا يجلد ولا يرمى بالحجارة، إذ المبدع في ذاته شخص خارج عن المألوف بشكله ونمط تفكيره، ويجب أن يعتاد الناس قبوله كما هو عليه، لا أن يحاربوه ويرجموه بوصفه صاحب (بدعة)
العدد 2015 - الأربعاء 12 مارس 2008م الموافق 04 ربيع الاول 1429هـ