من أقدم القصص التي سمعناها على مقاعد الدراسة الابتدائية، قصة المرأتين اللتين اختصمتا في طفل، كلٌ تدعي أنها أمه. ولما رُفع الأمر إلى النبي سليمان (ع)، أمر بإحضار سكين ليقطعه نصفين، فما كان من أم الولد الحقيقية إلا أن قبلت بتسليم الطفل للأم المزيفة، طمعا في حياته، ولذلك حكم سليمان الحكيم بعودته إلى حضنها.
في الواقع الاجتماعي، من المفهوم شيوع مشاعر الإحباط واليأس لدى قطاعات واسعة من المواطنين، لعدم «إنتاجية» البرلمان على المستوى التشريعي والرقابي وحتى الخدمي. وهو أمرٌ اعترف به عددٌ من النواب، وبعضهم كان صادقا مع ناخبيه حين صارحهم بأن إنتاجه في العام الأول مجرد «صفر»، بينما نوابٌ آخرون مازالوا يدافعون عن تحوّلهم إلى مجرد «نواب خدمات».
هذا الواقع تنبه له مبكرا رئيس كتلة الوفاق علي سلمان، ما دفعه إلى توجيه رسائل عدة قبل أشهر، لتحريك المياه وتشغيل «ماكنة» البرلمان، وعدم استمرار تكبيله بصورة تصيبه بالشلل.
في العام الأول، ضبط البرلمان أعصابه، وسار إيقاعه على رتم هادئ، نالت «الوفاق» خلاله الكثير من المدح على حكمتها وتعاملها بروح من المسئولية العالية، وهو مدحٌ لا يغني الكتلة شيئا، ولا يسمن من جوع جماهيرها، وخصوصا بعد اصطفاف البرلمان بهذه الصورة الطائفية الفاقعة.
وإذا كان مفهوما شيوع مشاعر الإحباط لدى الشارع، إلا أن من غير المفهوم أن تتولى بعض الأقلام الناشزة حملة للتعريض والتحريض على البرلمان، من أجل تقويض هذه المؤسسة وإنهاء التجربة الوليدة، التي بدأ الناس يتنفسون فيها بعد ربع قرن من إحكام قبضة قانون «أمن الدولة»، وما تم تحته من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان السياسية والمدنية، حتى وصلت إلى الحرمان من العمل والمحاربة في الأرزاق، فضلا عمّا كان يتعرض له الكثيرون من ملاحقات وسجن وتشريد.
البرلمان، وبغض النظر عن موقفنا من تركيبته ومآخذاتنا على صلاحياته المحدودة، فإنه لم ينزل فجأة من السماء، وإنّما جاء نتاج تضحيات وعذابات، وحراك اجتماعي وسياسي طويل زاد على نصف قرن. ومن خطل الرأي الدعوة إلى إغلاقه... لأن تركيبته المختلة دفعته للاصطفاف طائفيا، بسبب طلب التحقيق مع وزير.
لست أدافع عن البرلمان الحالي لا في مواقفه ولا في اصطفافاته، وكثيرا ما انتقدت مختلف كتله بسبب مواقفها التي حادت فيها عن جادة الوطن... ولكن ذلك لا يدعو إلى إلغاء المؤسسة وتعطيل الحياة السياسية والتلويح بالعودة إلى دوامة «أمن الدولة»، ونسف التجربة التي مازالت تتفاخر بها البحرين في المحافل الدولية.
إن ما تروّج له بعض الأقلام الشاذة، تدل على مراهقةٍ سياسيةٍ، وضحالةٍ في التفكير، وخصوصا عند الانحدار بالخطاب إلى لغةٍ سوقية، والمطالبة باستبدال مؤسسة تشريعية بمطعمٍ للوجبات السريعة. فما هكذا تناقش قضايا الوطن، ويقينا أن مثل هذا الرأي الخفيف الوزن لا يُراد به خير الوطن ومصلحة المواطنين.
ما انتهى إليه البرلمان أمرٌ محزنٌ ولا شك، ونأمل أن تتحلى الكتل جميعا بروح المسئولية للخروج من هذا المأزق الناتج عن المصالح الذاتية والحسابات الفئوية. و«رب ضارةٍ نافعة»، فما جرى أسقط القناع عن الأقلام المزيّفة... التي ادعت أنها أم الطفل الوليد (الديمقراطية) ومارست الخداع طوال سبع سنوات
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2014 - الثلثاء 11 مارس 2008م الموافق 03 ربيع الاول 1429هـ