حاجة العالم اليوم تتركز في عقل... ذهنية تتحكم في شكل الآلة ودورها، بحيث توجهها نحو مزيد من تأكيد محورية الإنسان في أي تغيير، فيما ذهنية «التفخيخ» والبيانات من وراء حجاب تعمل اليوم على نقض كل منجز يؤدي إلى تأكيد تلك المحورية.
ذلك يحيلنا إلى «بيان 5 يونيو/ حزيران 1967» لأدونيس، الذي نشر في مجلة «الآداب» اللبنانية: «ولكن... هل استخدم السيارة حقا، أم أنني استخدم فرسا من حديد؟».
حفلات الشواء في الهواء الطلْق
ما تفعله السيارات المفخخة باللحم البشري يفوق أي تصور. هي بمثابة حفل شواء في الهواء الطلق بالنسبة إلى الإرهابيين. نزهة وعربدة على حساب الآخرين. ثمة تتبّع لحفلات الشواء تلك، ولو من بطون كتب التاريخ:
يُروى أن طاغية اغريغنتم، فلاريس - وهي من أعمال صقلية وكان طاغيتها نحو العام 565 ق.م - كان يشوي السجناء من أعدائه في مملكته بأن يضعهم داخل ثور نحاسي ضخم، ثم يوقد تحته نارا هادئة، وتوضع قصبتان تشبهان المزمار في منخري الثور بطريقة فنية بارعة، بحيث تتحول أنّات السجناء وصرخاتهم حين تصل إلى أذنيه إلى نغمات وألحان شجيّة».
يقابل ذلك بيانات الإرهابيين من الفئة الضالة على شبكة الإنترنت التي تبدأ بنشوة وسكرة إصابة أهدافها السقيمة، من دون أن تنسى تلك الفئة أن تبسمل قبل أن تبدأ مجازرها، تماما مثلما يفعل بعض اللصوص الذين يبدأون بالبسملة قبل كسر الخزائن وتفريغها من محتواها، وهو ما أشار اليه كورتلين نفسه: حتى اللص عندما يضع المفتاح في ثقب الخزانة ليسرق يقول: بسم الله!
في صراع النار والماء
نتعلم من أبي العلاء المعرّي: «إذا غمس القوم أيديهم في الدم، فاغمس يدك في ماء الغدير».
نتعلم من أحدهم وبصورة مغايرة: «قالت أم الدرداء لأحد الخلفاء: بلغني أنك شربت الطلى بعد العبادة والنسك. فقال: أي والله والدماء أيضا شربتها»!
نتعلم من ألبرت اينشتاين: «العلم من دون دين كيان أعرج. والدين من دون علم عمى».
نتعلم من كلمنصو: «ينبغي ألا تقام التماثيل إلا للأنذال. فالشرفاء يحترزون منها». نتعلم من مثل إسباني: «في صراع النار والماء، تموت النار دوما». نتعلم من فريدريك تيرنر: «لا يوجد شيء أكثر هشاشة من القوة».
فما الذي تتعلمه تلك الفئة الغارقة في ظلاميتها سوى ما يتعلمه قطّاع الطرق، والمفسدون في الأرض، وعصابات السلب والنهب من بعضها بعضا؟ وما الذي يتعلمه من وقع تحت تأثير المخدّر، سوى أن يعيش نشوته الكاذبة، وتحليقه الساقط، وهلوساته وسلوكاته التي تمجّها حتى البهائم؟ وما الذي تتعلمه تلك الفئة التي تركت النص، وتكالبت على سقيم الهامش، وعربدات بعض الفهم والجهل الصارخ في التفسير؟ فئة تريد - كذبا وبهتانا - لشرع الله أن يسود ويحكم، فيما هي تقيم طقوس جاهليتها، وتولّي وجهها شطر أوثان نصبتها، أوثان من لحم ودم، تولّي الأدبار ناكصة؛ لتبث وعدها ووعيدها من مغارات وجحور في الطرف القصي من الأرض؟
مورفين التفسير
الأداة وحدها اختلفت... أداة إشاعة الإرهاب، بالأمس كانت سيفا... خنجرا... سهما... ووسيلة الوصول دابّة... صارت اليوم سيارة يستقلها إرهابي متحزّم بطوق من المتفجرات. التفكير لم يطرأ عليه أي تغيير... لم يغيّر استخدام شبكة المعلومات لنشر حصيلة «الغنائم» من القتلى والجرحى في ذهنية قتَلَة اليوم ذرّة من قناعة... كأنهم جاءوا من مجاهل التاريخ، أو من سحيقه... من الأسود، والقاتم، والدامي منه بالتفكير والتحشيد والتأجيج والأدلجة نفسها... بالمورفين ذاته الذي يتعاطونه: مورفين التفسير لنصوص هي بريئة كل البراءة من فهم يشطب عالم ومكان وعقل وإيمان ما عداه، ليبدأ من أول السطر في فرض عالمه، ومكانه، وعقله، وإيمانه هو
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2013 - الإثنين 10 مارس 2008م الموافق 02 ربيع الاول 1429هـ