نحتاج لأنْ نعرف أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الآخرين، وعن أنفسنا كذلك، حتّى يتسنّى لنا التصرف بحكمة. الحوار هو أحد السبل إلى هذه المعرفة.
نجتمع هذه السنة، لأجل تحقيق ذلك، في لحظة مثيرة من التوقّع. لقد استؤنِفَت محادثات السلام العربية الإسرائيلية قبل أسابيع. وفي العراق تبدو في الأفق مؤشرات أمل وسط صراع مستمر. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تنتخب الولايات المتحدة رئيسا جديدا لها.
سوف يحصل زعيم أميركا القادم على فرصة لتغيير نبرة ومضمون سياسة أميركا الخارجية بأساليب يمكنها تعزيز الثقة المتبادلة بين بلدي وشعوب هذه المنطقة. ولو كنت في موقع أستطيع من خلاله تقديم النصح للرئيس الجديد، فسوف أشير إلى النقاط الآتية:
أوّلا، من الخطأ النظر إلى هذه المنطقة من العالم على أنها منقسمة بين شعب لا يخطئ وآخر على خطأ، بين معتدلين ومتطرفين، علمانيين ومتدينين، أشرار وصالحين.
ثانيا، ليس الإسلام هو عدو أميركا، وليس أيّ جزء من الإسلام هو عدوها. يجتمع الأميركيون من كلّ عقيدة مع المسلمين المؤمنين من كلّ نوع وجنس على جانب واحد لمحاربة تنظيم القاعدة.
ثالثا، لا يمكن اعتبار لا أميركا ولا أية دولة أخرى أنها فوق القانون. السلطة المتخلفة عن القانون تفتقر إلى الشرعية وسوف تجري معارضتها لا محالة.
وأخيرا، يتوجب على أميركا أن تسعى إلى السلام بأسلوب مصمِم عادل. لن يألو أي رئيس أميركي جهدا في دعم بقاء «إسرائيل» وأمنها. يتوجّب على كلّ رئيس أميركي أن يحترم كرامة الشعب الفلسطيني وشرعية تطلعاته.
أعترف بشكل فوري واضح، كمراقبة للشئون الدولية، بأنه يتوجّب على الولايات المتحدة أن تفكّر بعمق أكبر مما فعلت في الماضي عن سبب سوء فهم نواياها.
لا يتناسق الحوار الحقيقي مع الجهل والنفاق والإذلال، ولا يمكن أنْ يتأسس على فرضية منطقية مفادها أنّ شعبا أو حضارة ما هي أرفع مقاما من حضارة أخرى أو شعب آخر. هناك مسئولية على أميركا بأنْ تتعلم المزيد وتقدم نصحا أقل.
إلا أنّ الحوار ليس عملا أحاديا.
يلقى باللوم على الأميركيين لإدامتهم عملية التصوير النمطي، وهذا انتقاد له ما يبرره. إلا أنّ صورة الولايات المتحدة المنتشرة في الكثير من المجتمعات الإسلامية مشوهة كذلك إلى درجة بعيدة.
ورغم أنّ أميركا ارتكبت أخطاء عديدة إلا أنها ليست المصدر الوحيد (أو حتى المصدر الأولي) للعنف والظلم وعدم المساواة والمعاناة في هذه المنطقة. قد يكون من المناسب لبعض القادة أنّ يحولوا اتجاه الاحباطات الشعبية التي تسببت بها أنانيتهم ومخاوفهم، ولكن ذلك ليس بالأمر الصادق.
ولا يكفي ببساطة، في هذا العرض، أنْ نعيد صياغة المواقف القديمة، فالسلام يحتاج لأساليب جديدة من التفكير والشجاعة في صنع التاريخ.
إذا أردنا أنْ نبني جسورا تضيّق الفجوة حقا التي تفرق بيننا، علينا أنْ ندرك أوّلا مصالحنا المشتركة في إيجاد الحلول ومسئوليتنا المشتركة في حل الخلافات. لا تستطيع أميركا ولا أية حكومة أخرى، بل يجب ألا تحاول أبدا، أنْ تفرض الحلول. يستطيع الجميع ويتوجّب عليهم السعي وراء التقدم بروح تعاونية.
وأعني بالتقدم بحل «دولتين» قادر على الصمود والبقاء بحق وصدق في الشرق الأوسط، وعراق متحد مستقر يعيش بسلام مع نفسه وجيرانه، وإيران - وولايات متحدة تحترم حق الحكم الذاتي في البلاد الأخرى، ومنطقة متحدة ضد تنظيم القاعدة وفروعه وحلفائه، ومستقبل يستطيع فيه الأطفال من الخلفيات كافة أن ينموا من دون خوف.
دعونا نفكّر بمنطق، من أجل هذه الأهداف، بينما نأخذ بالاعتبار الدروس التي تعلمناها معا.
يقول العهد الجديد من الإنجيل «طوبى لصانعي السلام»، كما يقول القرآن الكريم : «وادخلوا في السلم كافة»
* وزيرة الخارجية السابقة للولايات المتحدة، في المنتدى الأميركي الإسلامي العالمي في الدوحة، وقد استنبط هذا المقال من تعليقاتها وينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2013 - الإثنين 10 مارس 2008م الموافق 02 ربيع الاول 1429هـ