العدد 2012 - الأحد 09 مارس 2008م الموافق 01 ربيع الاول 1429هـ

الخصوم ووهم شراء الثورة بالتقسيط

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في حدث مشابه في إجرائياته أصدر مجلس الأمن قرارا ثالثا يحمل الرقم 1803 يراكم العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية في إيران بعلة استمرار تخصيب اليورانيوم. القرار الذي تدافعت عليه القوى ذاتها التي عملت على إصدار القرارين السابقين ربما تمالأت هذه المرة في وقت يمر فيه العالم بعدد من المتغيرات المهمة، أبرزها الانتخابات الروسية التي فاز فيها دميتري ميدفيديف، وتأجيل المحادثات الأمنية والسياسية بين الإيرانيين والأميركيين بشأن العراق وأيضا استقالة الحكومة الإيطالية برئاسة رومانو برودي والتي تعتبر أهم شريك تجاري لإيران، وربما تعاظم الضغوط على سورية وإيران بشأن ترتيبات المنطقة وبالخصوص الملفين اللبناني والفلسطيني.

ضمن هذه القراءة؛ تبرز في جانب آخر العلاقات الممتدة بين إيران وجدران صدها المفترضة وتشابك المصالح معها ومع أشباهها بدرجات، وقد يبرز الموقف الروسي كأحد مكونات الفعل السياسي الدولي الناهض، فموسكو وخلال هذه المرحلة لا أظن أنها مهتمة أكثر من الدرع الصاروخي الذي تنوي الولايات المتحدة تشييده على الأراضي البولندية، والثاني متعلق بالنفوذ الأميركي في خواصرها المتقافزة من جورجيا وأوكرانيا وانتهاء بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وطلبهما للعالم بضرورة الاعتراف بهما دولتين مستقلتين، والثالث يتعلق ببقاء إيران كأحد الحلفاء الرئيسيين في المنطقة الجنوبية مع مشروطية عدم تحولها إلى قوة تتمنع ضد السياسات الأميركية والروسية معا، والأخير يخص النفوذ على الشرق الأوسط مع الغرب.

بطبيعة الحال فإن هذه الملفات هي بالأساس هواجس الأمن القومي الروسي، وقد تأتي المساومات عليها بشكل أفقي من قبل أطراف دولية وإقليمية لتبديل مسارات علاقاتها الخارجية، ففي المحور الأخير ترى هذه الأطراف أن الروس يسعون من خلال إعادة إنتاج دورهم الإقليمي والعالمي إلى توسيع علاقاتهم الخارجية واستخدام أفضل الأوراق لتحقيق تلك الاستراتيجية، فوصولهم إلى المياه الدافئة في منطقة الخليج هدف قديم سعت وتسعى إليه موسكو، وهي بالتالي نقاط التقاء غير متفقة لكنها تبقى مساحات مشتركة في نهاية المطاف.

في المحصلة، بدأ الروس في تحسس وجود رغبة لدى دول إقليمية في الخليج للاستثمار في مجال الأمن الذي تمتلك فيه روسيا قدرة واضحة، فهي في النهاية تبقى المورد الوحيد والحصري للمشروع النووي الإيراني وهو ما يجعل الروس قادرين على إعطاء ضمانات أمنية وسياسية لدول الخليج بشأنه، كذلك فإن توشيج العلاقات الاقتصادية بين الخليج وروسيا ربما يرجع إلى العام 1994 في مجال الغاز والطاقة الكهربائية ومنشآت تصدير الغاز الطبيعي المسال وتحلية مياه البحر وتنشيطه في العام 2003 تلتها دولة الإمارات العربية المتحدة بميزان تجاري جيد وسلطنة عمان بالمساهمة في خطوط أنابيب نفط بحر قزوين والمجال الكازخستاني والبحرين من خلال الخدمات النفطية ومصرفي «روسكي كرديت بنك» و «مي تو إتش كومبانك» والكويت بالاستثمار في مرفأ موماشك في الشمال الروسي، وعلى رغم عدم تخطي التعاون الخليجي الروسي حدود التعاون الصناعي إلى الاستفادة من الخبرات الروسية في المجالات النووية وصفقات التسلح فإنها تبقى مؤشرات جيدة بالنسبة إلى الطرفين.

ضمن هذا المنحنى يمكن تقصي إرهاصات الموقف الروسي الذي تمثل (بالإضافة إلى التصويت على القرار الأخير) توجيه توبيخ مزدوج عبر رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الدوما إلى طهران وتحذيرها من المماطلة في الاستجابة للقرارات الدولية، ولوم المعارضة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله وتحميلها المسئولية عن الوضع السائد في لبنان، لكن الأكيد أن الروس قد يفاضلون بين هذه الأغوار الجغرافية مع طهران، لكنهم أيضا لا يقيمونه عندما يصل الأمر إلى المس بالاستراتيجيات والتوازنات القائمة في المنطقة عبر سلب إيران قدرة البقاء كقوة مزعجة للخصم الرئيسي للروس وهو الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما عكسه بيان الخارجية الروسية من أن قرار مجلس الأمن «جاء نتيجة حوارات صعبة، ويشكل حلا وسطا لم يكن سهلا، وخصوصا أنه تم رفع كل البنود السياسية والاقتصادية التي كان دعاة انتهاج خط متشدد وقوي يصرون عليها، وضرورة مواصلة التعاون وتطوير الاقتراحات السابقة لتشجيع الإيرانيين على التعاون مع المجتمع الدولي، وهي تشمل تقديم تسهيلات في مجالات مهمة بالنسبة إلى إيران والمنطقة، على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، واستبعاد استخدام القوة»، كما أن التعويض الروسي جاء في الجوانب الأكثر ديناميكية في المجال الاقتصادي مع الإيرانيين عندما تم الإعلان عن قرب توقيع اتفاق نوعي للتعاون معهم في صناعة الطيران، وإكمال إرسال الثمانين طنا من اليوارنيوم المخصب إلى محطة بوشهر الكهروذرية.

الصينيون بدورهم (وهم من أهم حلفاء إيران بعد الروس) صاغوا موقفهم بمحاذاة الموقف الروسي إلى حد ما، فهم يعانون من مرض مزمن في مجال الطاقة أشبه ما يكون بالمرض النفطي The Oil Disease وما يلحقه من تبعية الدولة الريعية إلى الخارج وتبعية المجتمع المدني إزاء هذه الدولة ولكن بطريقة مختلفة، فهم في حاجة متنامية للطاقة الأحفورية لتلبية احتياجات الحركة الصناعية.

وبكين ضمن هذا الحاضر تعتمد إلى حد كبير على النفط الإيراني والسوداني، لكنها تعلم أنها بحاجة إلى أسواق مختلفة ضمن سياسة سلة متنوعة من الخيارات، لذلك فهي قد تتجه صوب دول جنوب الخليج لهذا الغرض، وعلى رغم أن مبادلاتها مع هذه الدول لم تزد على أربعة عشر مليار دولار العام الماضي فإن التوقعات تشير إلى أن هذه التبادلات التجارية سترتفع بنسبة عشرين في المئة، وخصوصا أن المباحثات بين هذه الدول والصين بشأن تشكيل منطقة تبادل تجاري حر بين الجانبين بدأت منذ بداية العام 2005.

وبما أن العلاقات الطاقية هي العمد الأساسي في هذه الشراكة فإن الأمر يعني أنها ستتحول بشكل آلي إلى علاقات شبه استراتيجية، وقد تستفيد دول جنوب الخليج من حاجات الصين المتصاعدة إلى الطاقة لأن تتحول إلى شريك أساسي منافس لنفط السودان وإيران، الأمر الذي يؤهلها لأن تصبح نقطة ارتكاز أساسية للصين في المنطقة. وربما مخرت الصين مع بقية الدول التي صوتت مع القرار للحصول على بعض مساحات التعاون مع هذه الدول عبر البوابة الأميركية، لكن من دون أن تحول نظرتها إلى إيران على أنها قوة اقتصادية يمكن الوثوق بها، وهو ما عبر عنه الناطق باسم الخارجية الصينية كين غانغ عندما قال إن «مجلس الأمن تبنى القرار رقم 1803، والهدف منه ليس معاقبة إيران، ولكن الدفع نحو استئناف الحوار، وإعادة تفعيل جولة جديدة من الجهود الدبلوماسية».

القرار الأخير هو بلاشك سيزعج الاقتصاد الإيراني، لكنه لن يمس العلاقات التجارية بين إيران وكل من الصين وروسيا وإيطاليا بشكل أساسي، وللعلم فإن القرار ما كان ليمرر لولا التشذيب الذي طلبته هذه الدول على نصه لحماية مصالحها المباشرة مع طهران والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، على رغم أن القرار يبقى في محصلته ذا بنود ناعمة ويمكن الالتفاف على الكثير من بنوده.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2012 - الأحد 09 مارس 2008م الموافق 01 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً