العدد 2011 - السبت 08 مارس 2008م الموافق 29 صفر 1429هـ

نار الأسعار واقتصاد السوق الحر في رد وزارة الصناعة والتجارة

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

بعد رد وزارة الصناعة والتجارة بشأن نار الأسعار الذي نشرته الوسط بتاريخ 1 مارس/ آذار 2008، أصبح الأمر في منتهى الإلحاح على فتح حوار وطني بشأن اقتصاد السوق الحر، إذ أنّ رد الوزارة أكبر دليل على ضعف وضوح الرؤية لدى مسئولي الدولة عن هذا النظام الاقتصادي، فكيف يُعقل أنْ تدّعي الوزارة أنّ المرسوم بقانون رقم 18 الصادر سنة 1975 الخاص بتحديد الأسعار والرقابة عليها غير متعارض مع نظام اقتصاد السوق الحر؟ يكفي اسم القانون حتى يمكن إدراك كلّ مدى تعارض القانون مع اقتصاد يقوم على الحرية الاقتصادية للأفراد، والذي يعني رفع يد الدولة عن الشأن الاقتصادي وعدم التدخل في السوق بين مختلف الأطراف، وترك حرية الإنتاج والاستهلاك للأفراد، واعتماد قانون العرض والطلب لحفظ التوازن في السوق. كيف لا يتعارض هذا القانون مع اقتصاد السوق الحر وهو يخوّل الوزير حق اقتراح تحديد الأسعار، بل أكثر من ذلك، يخوّل للحكومة حق تحديد الحد الأقصى للربح الذي يحق للتاجر كسبه (الماد 3 بند 1).وهذا لا يتعلق بالسلع المدعومة، بل تشمل أي سلعة، سواء سلعة غذائية أو غيرها «من السلع التي يطلب وزير التجارة والزراعة والاقتصاد تحديدها»(نصا من المادة 3- بند 1).

قانون يفوّض الحكومة «اقتراح الأسس العادلة لتحديد الأسعار» بعد دراسة تطوراتها العالمية (المادة 1 بند ج)، ويلزم أصحاب المصانع بتقديم بيانات يحددون على إثرها كلف الإنتاج أو كلف استيراد أيّ سلعة من أجل تحديد الربح الذي يحق لهم جنيه (المادتين 7، 8)، ثم يأتي بيان الوزارة بعد أن يتهم كاتب هذه السطور بالمغالطة (وإنما يُغالط مَنْ ليس لديه جواب)، لينفي تعارض هذا القانون مع اقتصاد السوق الحر. وفي الوقت نفسه ينفي بيان الوزارة في النقطة الثانية أنّ الحكومة مخوّلة تحديد الأسعار بقوله نصا: «وفي المقابل، المراقبة لا تفيد أنّ الحكومة تحدد الأسعار، فمَنْ يعتقد ذلك مخطئ»، إذا لما عُنون المرسوم بأنه الخاص بتحديد الأسعار والرقابة عليها، وماذا عن المواد الآنفة الذكر؟

بعد ما سبق: أليس من واجب الحكومة - بناء على القانون الآنف الذكر - التدخل لضبط الأسعار؟ وإذا كان الجواب بالنفي كما في رد الوزارة، فماذا عن الكثير من القرارات الوزارية السابقة بشأن تحديد وضبط أسعار الكثير من السلع؟

وليت الوزارة تراجع عنوان بيانها أو ردها علينا وهو: «المستهلك بيده إشعال المنافسة وتوجيهها إلى صالحه»، فهذا الكلام مأكول خيره، وقد عفا عليه الزمن وشرب عليه وأكل كثيرا. لم يكن آدم سميث أبو اقتصاد السوق الحر (الرأس مالي)، يحب التجّار وأرباب الأسواق، وكان يعتقد أنّ عدم تدخل الحكومة في السوق، سيشعل المنافسة بين هؤلاء لصالح المستهلك، غير أنّ التجربة أثبتت خواء هذا الطرح، فتحوّلت المنافسة المأمولة إلى احتكار واندماجات بين الكبار وتآمر ضد المستهلك.والملاحظ انه كلما تجاور عدد من الدكاكين الصغيرة التي تبيع البضائع نفسها، تتحول المنافسة بينهم لاتفاقيات على حد أدنى لبيع هذه البضاعة أو تلك. هذا فيما يتعلق بالبقالات والدكاكين، فكيف بكبار التجّار، وأصحاب الوكالات الاحتكارية الحصرية فيهم؟ فكرة المنافسة لصالح المستهلكين والتي أضحت منذ عقود تثير السخرية والتهكم، قد هجرتها أوربا الرأسمالية منذ أمد بعيد حين تبنت أفكار الانجليزي جون كينز منذ الأربعينيات، وتدخلت في السوق بصورة فعّالة. ولو صح التعويل على فكرة المنافسة بين التجّار أو الزعم بانّ المستهلك قادرعلى تحقيقها، لماذا تتحكم في السوق العالمي شركات قد لا تتعدى بضع مئات من الشركات متعددة الجنسيات؟

القفزات السريعة في الأسعار، هي التي دفعتنا للكتابة، فلا يمكن التصديق بأنّ المسألة خارجية بشكل بحت، تلك التي تدفع أسعار المؤن الغذائية للارتفاع أسبوعيا. أمّا ما تطلبه الوزارة في بيانها من المستهلكين من التبليغ عن التلاعب، فلا نعلم أيّ نوع من التلاعب هذا، فالناس لا تشتكي من بيع بضائع فاسدة منتهية الصلاحية، وإنما تأن من الارتفاع غير الطبيعي في الأسعار، وهو ما يقول بيان الوزارة من أنهم لا يتدخلون في ذلك بسبب تبني اقتصاد السوق الحر.

ولا نهدف من الكتابة المماحكة والجدل، لهذا سنغض الطرف عن الكثير من النقاط الواردة بيان الوزارة، فيكفيها فخرا تجاوبها مع ما يثيره الكتّاب. والنقطة الأهم، أنّ هذا البيان الصادر عن مثل وزارة والصناعة التجارة، يؤكّد وجود غبش في الرؤية بين أطراف المجتمع والمسئولين عن ماذا نريد وحدود المطلوب من اقتصاد السوق الحر؛ لأنّ الدول المتقدّمة نفسها تتفاوت في الاقتراب من هذا النظام في صورته الأصلية، فمثلا بعضها يفرض حدا أدنى للأجور، وبعضها يرفض ذلك، مع العلم أنّ مثل هذا التدخل من قبل الدولة يتعارض مع اقتصاد السوق الحر في صورته الأصلية.

المسألة ملحّة على فتح حوار وطني لتحديد ماذا نريد، والخطوات المطلوب تنفيذها، ومن ثم إصدار تشريعات في هذا الصدد، إذ لا يُعقل أن تتشبث بعض الوزارات بمقولة تبني اقتصاد السوق الحر للتخلي عن واجباتها، بينما لم يصدر تشريعٌ يُبطل القوانين المعارضة مع هذا التوجّه، أو يبّين أنّ الدولة قد تبنت هذا النظام مع تحديد تبعات هذا التبني.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 2011 - السبت 08 مارس 2008م الموافق 29 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً