العدد 2011 - السبت 08 مارس 2008م الموافق 29 صفر 1429هـ

أين سترد حكومة أولمرت؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

منذ وقوع الهجوم المسلّح على مدرسة دينية في القدس والقيادة الإسرائيلية تحاول الرد على سؤالين. الأوّل مَنْ هو الطرف الذي خطط ونفذ العملية؟ والثاني أيْنَ هو المكان المناسب للرد عسكريا؟

السؤالان يؤكّدان أنّ العقلية التي تحرك وتقود حكومة إيهود أولمرت تدور في الفلك الأمني ولا تمتلك تلك القدرات التي تسمح لها بإعادة قراءة المسألة خارج إطار القلق من المحيط والخوف من التعامل المتوازن مع شعوب المنطقة.

تطوّر الهاجس الأمني يعطل إمكانات التفكير السياسي ويدفع في النهاية تل أبيب إلى البحث عن ضحية بعد أنْ تنتهي من الإجراءات العسكرية التي اتخذتها فور ورود الأنباء عن الهجوم المسلّح. فمَنْ هي الضحية؟ وكيف سيكون الرد؟

الأجوبة محكومة بمدى استعداد تل أبيب على خوض تجربة جديدة تضاف إلى سلسلة لا تنتهي من المواجهات العسكرية. حكومة أولمرت تقول إنّها مستعدة وليست خائفة وتمتلك قدرات الرد على مختلف الجهات والاتجاهات. والحكومة أيضا تؤكّد أنها تدرس كلّ الاحتمالات ولا تريد التسرّع في الاستنتاجات.

دراسة الإجراءات تعني أنّ تل أبيب تفكّر مليّا في المكان والزمان وحجم الرد و مداه الجغرافي. لذلك اتجهت القراءات الإسرائيلية إلى تحديد مجموعة احتمالات. فهُناك مَنْ يقول إنّ العملية صغيرة ومحدودة ونفذها فردٌ من دون تنسيق أو تحريض من تنظيم سياسي أو عسكري. وهناك مَنْ يؤكّد أنّ الهجوم ليس نتاج تصرف فردي قرره شاب متحمّس انفعل بتلك المشاهد والصور التي نقلتها الفضائيات وشاشات التلفزة من قطاع غزّة بل تحرّك بتشجيع من طرف محلي. وهناك مَنْ يضع الهجوم في إطار معركة أوسع تتصل بالمواجهة مع حركة «حماس» في قطاع غزّة. وهناك مَنْ يحاول الربط بين العملية وتلك الإنذارات التي صدرت عن حزب الله بعد اغتيال عماد مغنية في دمشق.

كلّ تهمة تضع الرد المتوقع على سكة مختلفة. حصر العملية في سياق فردي يعني أنّ حكومة أولمرت تميل إلى الاكتفاء بتلك الإجراءات الانفعالية التي أقدمت عليها بعد ساعات من الهجوم (هدم منزل المقاوم، اعتقال عائلته وأصحابه، طرد أسرته من الحي، تهديد بعض أهالي القدس العربية بالإبعاد إلى الضفة الغربية).

توسيع العملية وربطها بحركة «حماس» تعني أنّ تل أبيب قررت زيادة الحصار ورفع درجة الضغط على أهالي غزّة عقابا على مظاهر الابتهاج التي صدرتْ في بعض مناطق ومخيمات القطاع.

التهمة الأخطر هي أنّ تحمل تل أبيب مسئولية التقصير للسلطة الفلسطينية في الضفة. فهذا الاحتمال ليس مستبعدا بعد أنْ وجهت حكومة أولمرت ملاحظات سياسية بشأن إهمال السلطة وعدم قيامها بواجباتها الأمنية. وفي حال تطور الاتهام السياسي فمعنى ذلك أنّ الرد الإسرائيلي العسكري سيتكثف في الضفة الغربية في اعتبار أن مكان انطلاق الهجوم يقع في القدس وعلى حدود السلطة الفلسطينية.

كلّ هذه الاتهامات تضع الرد على سكة محلية. فهناك مناطق القدس وجوارها إذا كان فعلا تنظيم «كتائب أحرار الجليل» هو المسئول عن الهجوم. وهناك مناطق القطاع إذا كانت «حماس» هي الجهة التي نظمت العملية ورتبتها انتقاما للمحرقة في غزّة. وهناك مناطق السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية) إذا أرادت تل أبيب توسيع دائرة المواجهة السياسية تحت ستار تهمة التقصير والإهمال.

الاحتمالات هذه كلّها واردة في حال قررت حكومة أولمرت قصْر المواجهة العسكرية على طرف فلسطيني محلي. إلاّ أن أخطر السيناريوهات التي يمكن توقعها هي أنْ تقوم تل أبيب بربط الهجوم بفريق خارجي واتهام حزب الله مباشرة أو مداورة بالتحريض على العملية أو الإشراف على تدبيرها. الاحتمال المذكور ليس مستبعدا خصوصا بعد أن صدرت إشارات إسرائيلية بهذا الاتجاه.

خيارات مفتوحة

حكومة أولمرت حتى الآنَ لم تحسم قرارها السياسي وخيارها العسكري، فهي وجهت اتهاماتها على أكثر من جهة وحملت مسئولية التقصير للسلطة الفلسطينية. وعدم اعتماد تل أبيب جهة واحدة لتوجيه التهمة إليها يعني أن حكومة أولمرت لاتزال تدرس الإجراءات ولم تحسم قرارها في الرد ومكانه وزمانه ومداه الجغرافي واستهدافاته السياسية.

توزيع الاتهامات على أكثر من طرف يعطي حكومة أولمرت فرصة لاختيار المكان ويبرر لها توقيت الرد وأسلوبه وحجمه. فالتوقيت ليس بالضرورة أن يكون في أسرع مدة زمنية لأنّ الانتقام المباشر من عائلة المقاوم وأسرته حصل بعد ساعات. والأسلوب ليس بالضرورة أن يكون عملية حربية (جوية أو برية) باعتبار أنّ هذا النمط من السلوك تعمل به تل أبيب يوميا ومن دون توقف.

المسألة تتوقف على المكان وحجم العدوان. وهذه النقطة تخضع لمدى جاهزية حكومة أولمرت وإمكاناتها وقدراتها واستعداداتها. فإذا اختارت القطاع فمعنى ذلك أنّ تل أبيب قررت خوض «حرب مفتوحة» مع حركة «حماس» تكرر ذاك السيناريو المعهود. وإذا اختارت الضفة فهذا يعني أن حكومة أولمرت قررت نقل المعركة من خلال تقويض فكرة «الدولة» وتحطيمها قبل أنْ ترى الحياة.

الاختيار الأخطر هو أن تقرر حكومة أولمرت نقل المعركة من الداخل الفلسطيني إلى الخارج العربي والذهاب نحو مواجهة إقليمية مع حزب الله في لبنان. ومثل هذا التوجه تتحكم فيه مجموعة شروط سياسية تتصل بالمحيط العربي وانفعالاته ومدى استعداد الولايات المتحدة لتغطية العدوان دوليا. الشروط السياسية المطلوبة لتنفيذ مثل هذا الاعتداء لا تبدو واضحة المعالم على المسرحين الدولي والإقليمي. أميركا مثلا ترسل إشارات بالتصعيد ولكنها في مجملها اقرب إلى المناورة والتخويف والتهويل. وإقليميا تبدو واشنطن متجهة ميدانيا نحو تطوير تلك التقاطعات «الفنية» و«التقنية» مع سورية وإيران وليست في وارد تقطيع العلاقات وتصعيدها نحو مواجهة مبهمة في غاياتها. ولبنان الذي تعتبر ساحته الحلقة الأضعف بعد فلسطين (الضفة والقطاع) لايزال يعاني من عثراته السياسية والاقتصادية وهو يتخبّط يوميا بسبب تراكم مشكلاته الناجمة عن أزمات محلية وضغوط جوارية.

حتى الآنَ لم تحسم حكومة أولمرت قرارها السياسي وتحدد الجهة التي تريد تدفيعها ثمن الهجوم المسلح على المدرسة الدينية في القدس. والتردد في عدم توجيه تهمة نهائية لطرف محدد ربما يكون له صلة بتداعيات الرد واحتمال اتساع نطاقه. فكل تهمة لها معناها السياسي ووظيفتها الجغرافية. فالرد داخل فلسطين (الضفة أو القطاع) يحصر المواجهة في نطاق يمكن التحكم به. أما الرد خارج دائرة فلسطين فهو يخضع لحسابات دولية وإقليمية معقدة. ومثل هذا الرد الموسّع يحتاج إلى قراءة مفتوحة ويتطلب الكثير من الوقت للمراجعة ودراسة كلّ الاحتمالات والتداعيات.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2011 - السبت 08 مارس 2008م الموافق 29 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً