ها هو يحط رجليه هذه المرة في وكر (الأسود) في الشهور الأخيرة من رئاسته! القارة السوداء أو السمراء هذه المرة كما يطلقون عليها! لماذا؟ هل لأن سكانها سود وهل طبيعتها سوداء! أم لأنها معدمة وفقيرة في كل شيء! مظلمة ومظلومة في كل شيء حتى في اسمها؟! كبنين ورواندا وتنزانيا وكينيا وغيرها.
ولماذا وجهته هذه المرة إلى هذه القارة المظلومة والمسلوبة حقوقها؟!... هل راح يقدم أيضا العصا والجزرة! أم الجزرة من دون العصا كما اعتادت عليه الشعوب العربية والإسلامية؟! أم أنه راح يقرع طبول الحرب من جديد! وأية حرب هذه المرة؟!... فأصداء «قرير فينغراد» لاتزال تطن في طبلة أذنيه! بدليل انه راح بعيدا عنها هاربا من نتائجها وفضائحها وهو يزأر زئير الأسود ويصرخ بأنه لا يرغب في أضاحي جديدة ولا على أراضي وبقاع وطبيعة جديدة بعد! ولا في قواعد جديدة!
لكنكم هل تصدقونه؟! لا، وألف لا... لأنه لم يصدق في حياته ولا في سيرته الرئاسية ولا مرة واحدة! ولا يسمي الأشياء بأسمائها ولا حتى الرجال بأسمائهم فتارة يسمي السفاح بطلا وتارة يلقب الإنسان المسالم المدافع عن أرضه إرهابيا! ها هو، وفي نهاية حياته يعرج في رحلته الأخيرة على الكهوف السوداء المتهالكة المصنوعة من جزع الأشجار والورق التي لا تأوي حتى الكلاب الضالة! والهياكل البشرية الميتة وهي واقفة!
هذا هو ما يريده أكبر وأعته حاكم دولة في العالم أن يبقى العالم إما أسيرا محاصرا ومديونا كالدول الإسلامية أو جائعا وعريانا أو متوحشا كالدول الإفريقية أو مريضا بآفات «الإيدز» وجاهلا كالدول الأسيوية! أو صديقا مسيرا كالدول العربية! كما هو يفعل في زيارته هذه يدغدغ عواطف أطفال تلك الدول إن بالجلوس معهم وعلى طريقتهم أو برقص رقصاتهم التي لم يجيدها ولكنه أجاد الرقص على عقولهم وسلب خيراتهم إما وقودا أو قلوبا! كما فعل مع أطفال غزة يرسل إليهم طائرات «F16» توزع عليهم هداياه الشهرية فترمي لهم بشظاياها لتقتل منهم مجزرة كبيرة ثم تعود فرحة مستبشرة باسم الدفاع عن النفس! ويتلو بعد ذلك بان كي مون شجبه واستنكاره الشديد لـ «إسرائيل»! وهي غير آبهة به وبشجبه واستنكاره بل أن طائراتها لاتزال ترمي بجثث الأطفال في طرقات وشوارع غزة!
هو يسميها زيارة إنسانية! وأية انسانية هذه التي بقيت لهذه الشعوب المسلوبة والمغلوبة على أمرها وإرادتها... والمعارضة تسميها زيارة غامضة ومقصودة وهادفه، بل زيارة لا بارك الله فيها! وقى الله هذه الشعوب من شرها.
أفريقيا السوداء هذه المرة التي راحت تبث أخباره فيما بينها على طريقة «BBC» وهي تقرع الطبول ترحيبا بقدومه كلما دخل بلدة وعرج إلى أخرى وهو يساوم هذه الدول بالنفط مقابل الأمن! بالزئير تارة وبالعصا تارة أخرى ومرافقته رايس تصحح أخطاءه إما بالكذب أو بالوعود! بدءا من رقصته التي لم يجدها وانتهاء من سكرته الأخيرة في فلسطين المحتلة! تماما مثل مساومته للدول العربية: الأمن مقابل التطبيع مع الصهاينة! وإذا ما وافقت عقولهم الطيبة على هذه الفانتازيا سماها بـ «الدول الصديقة» واذا ما خالفته أو مانعت بيعته سماها بـ «الدول الإرهابية» منتدبا رايس بضحكاتها الكاذبة التي تخفي وراءها مشروعا ضالا طال انتظاره، وأسنانا بارزة كاد المصورون أن يظهروها بعدساتهم، التي تستخدمها للتهديد والوعيد!
ثم ماذا بعد؟... ثم يرسل إليهم وراءها مدمرته «كول» تجوب سواحلهم لتؤكد رسائله المرعبة وتخترق شبكاتهم التجسسية! تتنصت على كل نفس وحس من رموزها، وتسرق كل حرف وعبارة من هواتفها، لتفكك بهذا الرمز وتسقط بذاك النجم المتلألئ في سماء الحرية على طريقتهم «الكاوبوية» التي تسقط طريدتها عن بعد من بندقية صيد بطلاقاتها النارية!
نعم سقط مغنية مخلفا وراءه آلاف الليوث والأسود التي لا تهاب الموت، بل تطلبه كل يوم لتروي به قلوب المفجوعين على أبنائهم في غزة وصبرا وشاتيلا.
نعم غزة وصبرا وشاتيلا التي لاتزال دماؤها وجروحها لم تجف بعد! بدليل أنه لم يهنأ له نوم ولا راحة بال حتى غادرها إلى وجهته الإفريقية بعيدا عنها، ولكن عينيه وأذنيه على عرشه ليسترق بالسمع أصوات الناخبين وأخبار المترشحين الجدد القادمين للعرش الأبيض التي تعلو تارة وتخفت تارة أخرى... ومع قرب وصول المرشح الجديد الذي يكاد يقترب من مكتبه البيضاوي ليشاركه مدفأته الساخنة وكرسيه الرئاسي الذي يتوسط به عرشه الأبيض وهو يأمر وينهي ويوجه ضيوفه ويوصي الولاة في الدول الصديقة كلما جاءوا لزيارته، يتلو عليهم خطبته المتكررة، وخصوصا من البلدان التي مافتئت تحرق أعلام بلده أو تدعو عليهم وعليه بالموت!
مهدي خليل
العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ