من الصعب جدا أن تكتشف فجأة أنك من أبناء ما يسمى «الطبقة الوسطى»! ومن المؤسف أن تكتشف متأخرا جدا أن هذه الطبقة «المسكينة» تتعرض للتآكل والانقراض!
في أشهر الصيف الماضي، تبنت «جمعية المعلمين البحرينية» بعض المطالب الحيوية لآلاف المعلّمين والمعلمات، من قبيل الكادر وزيادة الرواتب لتحسين المستوى المعيشي. ولتحقيق ذلك، قامت بعدد من الخطوات من بينها الاعتصام السلمي لإيصال صوتها إلى المسئولين. واختارت الجمعية التجمّع أمام الوزارة بعد انتهاء الدوام مباشرة (في عزّ أوقات الظهيرة صيفا) تغليبا لمصلحة الطلبة ولعدم إرباك العملية التعليمية؛ مما يُحسب للجمعية وأعضائها.
ما حصل آنذاك إن البعض سلّ سيفه للهجوم على الجمعية، فمنهم من طالب وزارة التربية بعدم الخضوع لها! ومنهم من حرّض وزارة الداخلية على استخدام القوة لقمع هذه التجمعات! ومنهم من طالب وزارة التنمية الاجتماعية بسحب رخصة الجمعية! وهو طرحٌ أحرج الوزارة؛ لأنه أقرب إلى «الفذلكة» والأفعال الصبيانية.
في تلك الفترة التي شهدت الكثير من التهويش والتشويش على جمعية المعلمين، حاولتُ إلقاء الضوء على أسبابها (ولم أكن معلما). فالقضية لا تتعلق بجمعية سياسية أو جماعة عرقية أو «زرنوق» طائفي، وإنما تمس 17 ألف مواطن يعملون في سلك التعليم. هؤلاء لهم مطالبهم ومشكلاتهم ومعاناتهم. الواجب الوطني يستدعي معالجتها لتوفير أفضل بيئة للعطاء، فهم الذين يعلّمون أبناءنا ويتحمّلون عنّا جزءا من مسئولية تربيتهم العملية.
في التحليل المنطقي، لم تأتِ حركة المعلّمين من فراغ، وإنما ردة فعل طبيعية لما تتعرض له الطبقة الوسطى من ضغوط معيشية وتآكل في قدرتها الاقتصادية. هذا الكلام لم يقنع بعض «المناكفين» الذين يبحثون دائما عن الدوافع الطائفية، ولذلك بدأوا حملة التشهير بالجمعية والتحريض على إدارتها، ووقفوا ضد تحقيق مطالب المعلمين المشروعة.
هذا ما جرى في الصيف الماضي، أما بعد دخول فصل الربيع فقد أدّت بعض التطورات إلى اكتشاف تلك المجموعة «النكدية» أنه ينطبق عليها مسمى «الطبقة الوسطى»، وبالتالي اكتشاف أنها طبقةٌ مظلومةٌ جدا، ومحرومةٌ جدا، ومسحوقةٌ جدا، ولابد من كتابة مقالات للدفاع عنها والتحذير من انقراضها!
الحدث الأول هو إعلان توزيع الخدمات الإسكانية على المواطنين في ديسمبر الماضي، إذ أدى إلى شعوره بأنه مهمشٌ ومظلومٌ ومحرومٌ من أية خدمة إسكانية؛ لأن مجموع راتب الزوجين يزيد على 1200 دينار. (والحق إنه شرط لا معنى له مع الارتفاع الجنوني للأسعار والعقار ومواد البناء؛ مما يستدعي إسقاطه أو تغييره باتجاهٍ أكثر عدالة).
أما الحدث الثاني فهو إعلان علاوة الغلاء الموعودة (50 دينارا للأسرة)، إذ أدّى إلى اكتشاف أنها لا تنطبق عليه لأن راتبه يزيد على 1500 دينار (الحد الأدنى الذي أقرّته اللجنة الحكومية النيابية المشتركة)؛ مما كرّس الإحساس بالمظلومية وخطر الانقراض!
بالمناسبة... الاعتصام والحمد لله أثمر عن تشكيل لجنة مشتركة بين «الجمعية» ووزارة «التربية» لمناقشة مطالبهم، والوصول إلى فهم مشترك في ضوء مبادرة الجمعية المكونة من 10 نقاط. هناك تقدمٌ ولكنه بطيء. والمهم إن الوزارات الثلاث لم تُصغِ للوشاة والتحريض، والأهم إن القلم سلاحٌ يجب ألاّ يُقزّم بالمناكفة والدفاع عن المصالح الخاصة... والتعيّش على آلام ومعاناة الآخرين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ