إحصاء يخبرنا أن عدد المكتئبين في البحرين 44 في المئة من كبار السن، بما معناه في التفسير الدقيق أن جميع كبار السن مكتئبون! وبحذف الشباب والأطفال ومتوسطي العمرنرى كم يبدو الأمر خطيرا. شعب مكتئب يا الله! هي ظاهرة خطيرة حتما وخصوصا إذا ما حسبنا تغير الأجيال وتسارع الأعمار لوصولها إلى الشيخوخة فبذلك سنعتبر شعب البحرين كله سيكون مكتئبا بعد فترة وجيزة!
ولكن لم يذكر الإحصاء الفئة العمرية من الكبار. فهل هم بعد الخمسين أو الستين أو أكثر... السبعين والثمانين؟ إن كبر السن شيء نسبي - في اعتقادي -. وإن سنوات العمر الكثيرة التي يعيشها البعض لا تعتبر أو تعني كبر سن (شيخوخة) إطلاقا. فالبعض قد تمر سنوات العمر به، ولا يتغير. فنشاطه قد يزداد. وبالمحافظة على المظهر الخارجي للجسم قد تزداد وسامته ويشتعل ذكاء وخبرة وحيوية؛ نظرا إلى تواصله مع الأنشطة المختلفة والعطاء في مختلف الميادين. وقد تعترضه بين الحين والآخر بعض الأوضاع والتغيرات الفسيولوجية الداخلية ولكن بالتواصل في العلاج الصحيح والرياضة والأكل السليم الصحي والابتعاد عما هو ضار من مثل التدخين والكحوليات... إلخ فقد يبقى أو يطيل في شبابه وتبقى حيويته متجددة، ولن يعرف الاكتئاب طريقه إليه.
هؤلاء يجددون في منهجية حياتهم ويبتعدون عن الروتين القاتل ويخلقون جوا من البهجة أينما ذهبوا بتلقائية بسيطة. فمن الضروري أن تكون الحياة متلونة بمختلف الأنشطة. ففي البلدان الأخرى (المتقدمة) قد يبدل عمله بعد سن الأربعين؛ كيلا يسقط في الروتين والتَكرار. فحتى الأصدقاء يجب عمل خلطة متنوعة منهم وعدم التمسك بنوعية واحدة ومحاولة الاختلاط بمن هم أصغر أو أكبر سنا والجنسيات المختلفة للأخذ والعطاء من الجميع في النظرة الحياتية، وأن نتعلم كثيرا وأن يكون كل يوم كأنه يوم جديد آخر للعمل وتعلم شيء مختلف.
ومساعدة الآخر لمجرد العطاء قد تزيل الكثير من الكآبة! قد يحتاج البعض إلى اللجوء إلى العلاج النفسي وأخذ بعض العقاقير، التي قد تكون مهمة جدا لتعديل التوازن الكيمائي أو الهرموني على ألا تطول مدة العلاج، ويصاحبها نوع من الإرادة التي يتغلب فيها الإنسان بعدها على ضعفه الجسمي في الرفع من الكفاءة للممارسة اليومية للحياة. إن معظم المبدعين والفنانين والكتاب قد توجوا نجاحاتهم خلال سنواتهم وهم كبار في السن مثل ليوناردو دافنشي وتولستوي، بيكاسوا وشبنهور ومحمد عبدالوهاب وناظم الغزالي حينما غنى قائلا: “تعيرني بالشيب وهو وقارُ ليتها تعيرني بما هو عارُ وأخيرا اثنينا نشيب سويا”. هؤلاء لم يعرفوا الكآبة والملل إطلاقا وآخرون ألوف غيرهم مارسوا حياتهم كأنهم شباب. وقد أثبتت الدراسات أن التواصل في العمل وعدم التوقف يجعلان خلايا الدماغ متيقظة ونشطة، وأن التوقف سيؤدي إلى موت هذه الخلايا والإصابة بالأمراض النفسية الأخرى.
إذا، ما سبب الكآبة عندنا؟ هل الجلوس في البيت والتقاعد المبكر الذي يمارسه الكثيرون هذه الأيام؟ أم الثورة النفطية وكثرة المال (الوفرة) التي قد تتسبب بالاعتزال عن أي نشاط ذهني أو جسمي وبالتالي تؤثر على العمليات الفسيولوجية والنفسية... الفائدة السلبية للثروة؟ أم عدم الحصول على أي عمل والبطالة عند الجميع من تلك الفئات المتضررة من مشكلات العمل والعمال أو الشباب الضائع؟
إن الشيخوخة قد تأتي مبكرة جدا وبأعراض مزعجة للشباب العاطل عن أية إنتاجية ممن لا يمتلكون أية وسيلة لشغل الفراغ. تبدأ معاناتهم من الأوجاع الجسمية والنفسية والعقلية! وإبقاء الحال على ما هي عليه ليس بالأمر الصحيح. فعلى الإنسان محاولة شغل الوقت والعمل في أي شيء وعدم الجلوس لانتظار الشيخوخة المبكرة فاليأس ثم الاكتئاب!
إن حب الأشياء وما نعمله هو قمة الاستمرارية لخلق النشاط والتوقد الذهني في كل مراحل الحياة، بغض النظر عن المرحلة العمرية! ونصيحة أخيرة، الابتعاد عن المكتئبين يغدو ضرورة حتمية والاختلاط بالسعداء يصبح ضرورة، فهذه العدوى سريعة الانتشار. وأصدق تعبير عن ذلك المثل القائل: “من عاشر السعيد يسعد”.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ