بعد ما أعلنت الحكومة أن منتصف الشهر الجاري سيشهد صرف علاوة الغلاء حدا أقصى، بدأت الاتهامات تتراشق بين الأطراف المعنية. فالحكومة توجه اتهاماتها إلى المجلس النيابي لكونه تباطأ في الإجراءات الفنية التي تكفل صرف الـ40 مليون دينار، والمجلس النيابي يتهم الحكومة بالتباطؤ هي الأخرى.
وبين سهام الاتهامات الموجهة هنا وهناك يبقى المواطن ينتظر وبفارغ من الصبر صرف علاوة الغلاء التي لن تسمن ولن تغني من جوع. ولكن لكونه قد عود نفسه أن يكون صابرا، ولكون الحكومة قد عودت المواطن أن يعيش دائما على الفتات نجد المواطن هذه المرة مستسلما. فالجوع كافر والغلاء حرق كل الدنانير التي في الرواتب والتجار لا يرحمون أبدا، وكل ما يرجونه هو زيادة الأرباح وإن كانت على حساب مصّ كل دنانير التعب والجهد طوال الشهر.
مشكلتنا إننا لا نخطط أبدا للمستقبل ولطالما شكونا عدم وجود وزارة للتخطيط على رغم وجود ما لا يقل عن 40 وزيرا في الدولة أو ما يعادله إلا أنه لا يتوافر للبحرين وزير واحد على الأقل مسئوليته التخطيط للمستقبل. ومن خلال التشخيص الواقعي للسوق يتبيّن أن هناك ارتفاعا في أسعار السلع الاستهلاكية بصورة مستمرة، وأن لا مؤشر على الأقل يبيّن أن الأسعار ستأخذ طريقها إلى الانخفاض بعد عام مثلا. أتساءل: إذا كانت علاوة الغلاء التي ستصرف هذا الشهر والمقدرة بـ50 دينارا لكل أسرة لا يزيد دخلها على 1500 دينار لمدة عام والتي احتاجت منا إلى التوقف عندها أياما وأسابيعَ لأغراض دراسة أوجه صرفها وطرق الاستفادة منها بهدف تحقيق هدف مواجهة الغلاء - يمكنني تلخيص تعليقي على الأمر بالمثل التالي: «تمخض الجبل فولد فأرا» فهل نفهم من ذلك أن هناك 40 مليونا سنويا لمواجهة الغلاء؟ أم أن الـ40 مليون دينار ستصرف علاوة غلاء لهذا الغلاء والعام المقبل سيرتفع المبلغ لكون الأسعار سترتفع هي الأخرى؟ أم أننا إذا نظرنا لسوء التخطيط لدينا فإننا سنواجه الغلاء هذه المرة بـ50 دينارا لكل أسرة والأعوام المقبلة تأتي في سياق «لكل حادث حديث»؟
طالما لا يكون هناك من يضع النقاط على الحروف نطرح المشكلة على شكل أسئلة وتحتاج منا إلى التوقف عندها وتأملها، والمواطن من حقه أن يؤمّن مستقبله من الآن، ومن الصعب أن يبدأ المواطن أن يكيف نفسه مع الـ50 دينارا لمدة عام فقط، وبعدها نجدها تختفي مرة أخرى. لا والأسعار ترتفع من جديد بصورة أكبر.
المواطن كلما وضع نفسه في هذه الدوامة وهذه المحنة يشعر بالدوار؛ لأنه مثقل بالمسئولية، على حين موارده المالية محدودة للغاية، والبلد يا جماعة بخير ولكن خيرنا لغيرنا.
ألم نقل من قبل إن الـ40 مليون دينار صارت مشكلة ووبالا علينا. فلا تستطيع أن تواجه الغلاء. فالغلاء لايزال الغول الذي يهدد الأسر الفقيرة بالنيل منها ومن دنانيرها، ولاتزال الأسر الفقيرة تحاول الفرار والفكاك منه. والمطاردات مستمرة. لا يستطيع المرء أن يتوقف عن الجري واللهث حتى يطمأن بأنه سينتصر على الغول أو أن الغول لن ينال منه.
الـ40 مليون دينار الحالية أقصد الـ50 دينارا التي ستصرف علاوة غلاء لا تستطيع أن تضمن لهم أن يكفوا عن الجري واللهث. وعلينا باختصار شديد أن نبحث عن سبل أخرى داعمة ومساندة لتحقيق الهدف. الهدف إذا لم يتحقق اليوم في ظل ظروف مواتية وتوافر العوامل فلا أظنه سيتحقق لاحقا. فالمطالب الشعبية تتجه إلى تحسين الأوضاع المعيشية والحكومة لديها وفرات نفطية والغلاء يسيطر على السوق والناس تشكو الغلاء والحاجة.
يا حكومة كيف من الممكن أن تتصرفي وعليك مسئولية كبيرة قبلتِ أن تحمليها فوق ظهرك وفي عنقك، وأن تعملي جاهدة من أجل خدمة الشعب. فالشعب الآن يضج من الغلاء ومن الحاجة، وعليك قبل مواجهة الغلاء أن تواجهي الشعب. فهو لايزال يواجه الغلاء ولا يمكن له تجاهله، وعليك مواجهته بدلا من تجاهله.
ليس من المصلحة الوطنية في شيء أن نسمع التراشقات الصحافية بين المسئولين في السلطات سواء التنفيذية أو التشريعية، بحيث كل جهة تضع اللوم على الجهة الأخرى ويظل المواطن في النصف؛ لأن المسئولية واحدة وهي خدمة المواطن. اعتبروا المواطن على الأقل زبونا لديكم وعليكم أن تتعاملوا معه مثلما يتعامل التاجر مع زبونه. فالتاجر كما هو معروف يتعامل مع زبونه بمنتهى الحذر والدقة؛ لأنه يخشى أن يبحث الزبون عن تاجر آخر، أو يفلت وينفر منه. لابد أن يكون هذا الهاجس موجودا. فالناس ملت الوعود والشعارات التي تحمل أحلام الناس وطموحهم ولكن تأخذهم بعيدا عن الواقع المثقل بالهموم ومع ذلك أعين الناس تتجه إلى 15 مارس/ آذار الجاري؛ لترى تحقيق الوعود.
لا يمكن للمحتاجين من الناس أن يحلقوا في سماء الأحلام؛ لأنهم واقعيون ويعيشون في الواقع. أن تكون لكل مواطن بحريني أرض فهذا الحلم لايزال ينتظر تحقيقه، وأن يعيش المواطن البحريني في رفاهية اقتصادية فهذا حلم آخر ينبغي أن يتحقق.
نصحو من حلمنا مذعورين ومندهشين عندما نجد أن الغلاء لا يمكن مواجهته فكيف نعيش على حلم الرفاهية الاقتصادية؟ فهل ما لا نفهمه موجود حقا؟ وهل هناك ملايين أخرى لمواجهة الغلاء للسنوات المقبلة؟
افتونا رحمكم الله.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ