ذات يوم، كانت السماء ملبدة بالغيوم، فيما الدخان الأسود يحيط بالمكان من كل جانب... كل ما في المشهد حزين وموغل في الظليمة... قد يرتاح ذلك الميت الذي وقع تحت وطأة الظلم... تألم وتعذّب فمات، لكن الحي، الذي لايزال على قيد الحياة... قد يبقى مجروحا من ظلم وقع عليه... فهو مظلوم ومجروح، فيما الزمن كفيل بأن يضمد الجروح.
هكذا كانت الصورة التي أراد الحاج إبراهيم إيصالها من خلال وصفه لأرض الظلم... فتلك الأرض، وفي الغابر من السنين بحيث يصعب عليه وعلى تجاعيد وجهه تذكر السنة بالضبط... هذه المنطقة التي يعيش فيها عدد كبير من الوافدين، تعرضت آنذاك لحريق كبير... بغية طردهم من الأرض... ولأنه ظلم كبير لا يرضي الله، وقع على عباد الله... فقد كان التوثيق بالاسم حاضرا... «زلم آباد» (أرض المظلوم).
هذه القصة، يرويها لنا الحاج إبراهيم الطاعن في السن، لتتوافق مع قصص مماثلة عن منطقة «زلم آباد» وهي لفظة فارسية تعني «أرض المظلوم»... ولكن الأرض بحرينية، والتراب بحريني والهواء بحريني... إذا، فلتتعاقب السنون وتمضي ليصبح اسمها اليوم... منطقة العدلية.
ليست قرية... هي مدينة!
لم تكن العدلية تحل ضيفة في صفحة «القرية»، فهي ليست قرية ولها من سمات المدينة كلها، ومن علامات التمدن والتطور جلها... لكن، أردنا أن نتجول في هذه المنطقة الشهيرة لنعود قليلا إلى ما يمكن أن يضيف إلينا بضع معلومات عن هذه المنطقة، ولا بأس إن احتضنتها صفحة القرية، فلم يعد في البحرين أصلا ما يمكن اعتباره المعنى «الحرفي» لكلمة القرية وسماتها الديموغرافية الريفية، بل هي جولات يمكن من خلالها التعرف على الكثير من مناطقنا عن كثب، وفيها أيضا، نقل لملاحظات وآراء المواطنين.
يعتقد المواطن جلال الزواد (مهندس مدني)، أن الزيارة الصحافية لمنطقة العدلية تعد شيئا مما يجعل الإنسان «يستغرب»! «فليس هناك من اقترب من هذه المنطقة من الصحافة أبدا بحسب علمي، لكن، بالنسبة إلي أود لفت نظر مجلس بلدي العاصمة إلى فوضى المحال التجارية، وكذلك فوضى إنشاء العمارات السكنية والتأجير، بالإضافة إلى مشكلة الازدحامات التي تصل إلى منازل الأهالي»...
و «كما تعرف - والكلام لجلال - فإن الكثير من الناس الذين يعيشون هنا هم من غير البحرينيين، بل من جنسيات مختلفة ومتنوعة لا تستطيع أن تحسبها، ونتمنى أن يكون هناك نوع من التنظيم في مسألة التأجير، فنحن لا نمانع أبدا سكن الأسر المحترمة، حتى وإن كانت غير مسلمة، لكن سكن العزاب، من الجنسين، فهذا أمر مرفوض».
الممارسات غير الأخلاقية
في سيارته، كان يجلس المواطن بونبيل مع زوجته، ولم يتردد كثيرا في رفع شكوى الأهالي من الممارسات غير الأخلاقية التي تصدر عن الكثير من القاطنين من الجنسيات الآسيوية والأوروبية، وكذلك بعض الزوار، وخصوصا في ليالي الجمعة وليالي الإجازات، إذ يعيثون فسادا بما لا يقبله الإنسان الذي يعيش في مجتمع إسلامي.
«عليهم أن يحترموا هذا البلد وأهله... لا نريد منهم أكثر من ذلك... لكنهم لوحدهم لن يفعلوا؟! لابد من تطبيق القانون عليهم حتى يرتدعوا ويرتدع غيرهم؟» هكذا قالت أم نبيل، لكن المواطن بونبيل يتمنى من دورات الآداب أن تنشط في ليالي الجمعة وأيام المناسبات، فهناك من الجنسيات (...) كثير، ولن تجد صعوبة في ضبط ممارساتهم السيئة... حتى أن البعض منهم بدأ يستهزئ ويسخر من المواطنين في حال دعوتهم للتوقف عن هذا السلوك أو في حال تهديدهم بالشرطة.
ملتقى العشاق... في شارع الحب؟
هذه المنطقة، تتلألأ ليلا حتى أن البعض من الشباب قد تعوّد على شارعها «شارع الحب»... وخصوصا في أمسيات أيام الخميس والجمعة والإجازات، وعلى رغم أن الصورة مزعجة في ذلك الشارع بسبب الزحام لكثرة السيارات والمرتادين ونشاط المحال التجارية والمطاعم... فإن صورة المعاكسات هي الأخرى، لم تتغير منذ سنين طويلة، حتى أن أحد الشباب يعلق بأسلوب ساخر: «أبوي كان مداوم على هالشارع... والحين أنا أواصل الدرب... هذا الشبل من ذاك الأسد».
سنعود قليلا إلى هذه المنطقة، فطبقا لرئيس مجلس بلدي العاصمة السابق مرتضى بدر، فإن القصة تقول إن المواطنين ذوي الأصول الإيرانية كانوا يعيشون في هذه المنطقة، وقد أراد أحد المتنفذين أن يطردهم منها عنوة فأحرق أحد البيوت التي كانت غالبيتها آنذاك من الخشب والصفيح، فاندلعت بعد ذلك الحرائق في المنطقة بالكامل والتهمت كل البيوت، وبادرت البلدية وقتذاك بنقل المتضررين إلى منطقة أخرى في السقيّة، كانت تعرف إلى عهد قريب بمنطقة «بيوت الصفيح» قبل نقل الأهالي إلى ضاحية في توبلي وتوزيع وحدات الإسكان عليهم.
لذلك سميت في السابق «زلم آباد» أي «أرض المظلوم» أو «المنطقة المظلومة»، إلا أن الاسم استبدل بعد ذلك من الظلم إلى العدل... فأصبحت تسمى اليوم العدلية.
يواصل بدر حديثه فيقول: «يبقى التاريخ مسجلا فلا يستطيع أحد تحريفه... لقد عانى المواطنون كثيرا في تلك المنطقة، وبعدما نقلوا إلى منطقة السقيّة كانوا محرومين من الكهرباء والماء، وهذه المعاناة استمرت إلى ما يقارب 40 عاما، وبعد المشروع الإصلاحي، عملنا مع بعضنا بعضا، باعتبارنا مواطنين، وأوصلنا قضية هذه الفئة إلى القيادة التي لم تقصر، وخصوصا أن هؤلاء الناس عاشوا في منطقة العدلية منذ 150 عاما، وتم تطوير المنطقة بعد ذلك وإيصال الخدمات والمرافق، وفيها تعيش عوائل بحرينية منها العصفور وآل شريف والسماهيجي والشمري وعوائل أخرى لا أتذكرها الآن، ولايزال هناك مأتم العدلية والكثير من عوائل العجم تعيش هناك».
كلام صريح للسبع!
هنا، نجد كلاما صريحا لممثل المنطقة في مجلس بلدي العاصمة عبدالمجيد السبع الذي يعترف بأن المشكلة التي تعاني منها المنطقة هي بسبب سوء التنظيم، ونتجت عن سوء تنظيم قديم، والمشكلات المذكورة عانى منها كل أهالي العدلية... بالنسبة إلى المعاكسات فليس هناك رقابة دورية في المنطقة ولدينا مشكلات تتعلق بأحياء ومناطق سياحية يبيعون فيها المشروبات الكحولية وهي من المفترض أن تكون بعيدة عن المناطق السكنية، وهناك بيع للمشروبات الروحية في مواقع لصيقة بأماكن السكن! وسوء التخطيط هذا أدى إلى جمع مناطق سكنية وفلل وهناك عمارات بستة أدوار وهي تصنف ضمن السكن الاستثماري (د)، وسوء التنظيم هذا ليس وليد اللحظة بل هو قديم، ولابد من أن يتم التخطيط من جديد. ويقول السبع «نحن باعتبارنا مجلسا بلديا نرفض الطلبات الجديدة من مطاعم ومبان ودكاكين من غير مواقف سيارات. بالإضافة إلى ذلك، يمكنني القول إن سوء التنظيم أدى إلى هجرة الكثير من الأهالي بسبب مشكلة اكتظاظ الأجانب، والمشكلة الرئيسية هي في العزّاب من الجنسين، وليست هناك رقابة على الشقق المفروشة وغير المفروشة التي يتم تأجيرها (...) وهذا ما يسبب دخول نماذج من البشر لا يراعون تقاليد البلاد، بل وصلت الأمور إلى أن البعض من السكارى يخرجون عراة من منازلهم... أهالي المنطقة يستغيثون من هذه المشكلة، وفي كثير من اللقاءات، كان رجل الأعمال عبدالحكيم الشمري في مجلسه يستقبل الناس من خارج المنطقة ويدور نقاش حول أوضاع المنطقة». ويواصل: «الآن، المنطقة بحاجة إلى إعادة تنظيم وإعادة رقابة من الآداب ودوريات مرورية، والدوريات للأمانة موجودة وخصوصا في ليالي الجمعة.في حديقة العدلية، تجري اللقاءات بين ما يقارب من 30 شخصا من الشباب، ثم يتحول اللقاء بعد منتصف الليل إلى لقاءات غرامية خادشة للحياء، وقد تعاون رجال الأمن معنا، وتمكنا من حل المشكلة وخصوصا أن غالبية أولئك المتجمهرين من غير أهالي العدلية، ويأتون من الخارج ليسببوا الإزعاج للأهالي».
تقع منطقة العدلية على الطرف الأيسر لـ «شارع الكويت»، وجنوب «شارع السلمانية»، فيما تحدها من الجنوب والجنوب الشرقي قريتا الجفير وأم الحصم، وتقع القضيبية في شمالها، وهي إحدى ضواحي العاصمة (المنامة)، وتتبع إداريا محافظة العاصمة، ويمثلها في المجلس البلدي عبدالمجيد السبع، ويبلغ تعداد سكانها نحو 12 ألف نسمة من بحرينيين وأجانب.
أشهر معالمها
يعتبر جامع أبوبكر الصديق أحد أهم المعالم في المنطقة التي يسير فيها «شارع أسامة بن زيد» (ويحلو للبعض تغيير تسميته الأصلية ليطلقوا عليه اسم «شارع الحب»)، ومن أهم مرافق المنطقة:
- الإدارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية، وموقعها تاريخي مهم، إذ كان مقرا للإذاعة في الخمسينيات من القرن الماضي.
- مجمع مقار الجمعيات ومركز التحكيم التجاري والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.
- مدرسة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الثانوية للبنين.
- نادي الخريجين.
النشاط التجاري
منطقة العدلية الآن، واحدة من أنشط المناطق التجارية، فهناك حركة نشطة للمصارف والمطاعم والمقاهي والفنادق وشركات تأجير السيارات والترفيه، وفيها فروع لمصارف رئيسية في البلاد، بالإضافة إلى أن الكثير من الشركات العاملة في قطاعات التجارة والفنون والخدمات الفندقية تتخذ من المنطقة مقرا لأعمالها.
العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ