لا يكاد يختلف لون غلاف كتاب الروائي فريد رمضان «عطر أخير للعائلة»، الصادر حديثا عن محتواه، فلئن غلب على الغلاف اللون الأسود فإن مضمونه حمل عبارات لبست هي الأخرى ثوب الحزن الأسود ينهيها الكاتب بالتأكيد على هذه النبرة الحزينة التي غلبت على نصوصه بالقول «الموت بين ضلوعي/ وفي وسعي أن أتدبر أمر هذا الطريق وهو ينزلق أمامي».
لا يمكنك وأنت تتصفح «عطر أخير للعائلة» إلا أن تتساءل عن جنس هذا الكتاب الأدبي، هل هو شعر، هل هو مجموعة أقصوصات، ما هو بالضبط؟ ... لكنك حين تقرن المضمون بالمحتوى لا يمكنك إلا أن تجزم بأنه مجموعة من الخواطر يستدعي فيها الكاتب ذكرياته، حنينه، يستدعي أحبابه في تداعي جميل للذات، يرثي فيه أحبة غابوا عن الدنيا وأحبة آخرين شغلته الدنيا عنهم.
لكن ألم غياب الأخ، كان الألم الأبرز والأكثر تواترا في ذكريات الكاتب وهو أيضا ألم تجسد على امتداد الكتاب، ألمٌ لم يتخطاه الكاتب ولم يقو على نسيانه، وفيه يقول «ليس ثمة دليل على الموت سوى موتك» لينهي كتابه بإهداء إلى هذا الأخ الغائب يقول فيه «إلى محمد الذي رحل.../ وإلى محمد الذي أغواه الرحيل».
يتضمن كتاب»عطر أخير للعائلة» الذي أصدرته وزارة الإعلام مطلع هذه السنة، 99 صفحة من الحجم المتوسط، قسمت إلى 5 أبواب هي على التوالي باب العطر، باب الألم، باب اللقاءات، باب التواريخ وأخيرا باب المسيرة الأخيرة، تضاف إليها مجموعة من الصور، بعضها صور فوتوغرافية والبعض الآخر رسمه فريد رمضان بأبيات شعرية، هي صور عائلته في أوقات مختلفة، هي صور من لحظات عاشها وسط هذه العائلة، صورة الأخ الراحل وصورة الأخوات الثلاث «يبسطن جمالهن الباهر أمام عدسة الكاميرا»، صورة استقبال الأهل ضحى الخميس، صورة الأم الثكلى تنادي ابنها، صورة العائلة جمعت الكل «أب وأم مشدوهة باليأس، وأطياف أخوة وأحفاد».
ما يلفت الانتباه في كتاب»عطر أخير للعائلة» هو إخراجه الفني، ذلك أنه يمكننا اعتباره عنصرا مدعما لمضمون الكتاب، انطلاقا من غلاف الكتاب الذي طغى عليه اللون الأسود، ووصولا إلى تخيير الكاتب تضمينه بعض الصور الفوتوغرافية لعائلته بالإضافة إلى احتواء الكتاب على صفحات سوداء اللون تضمنت في إحداها قصيدة وجهها الكاتب إلى أصدقائه والثانية صورة للعائلة في سنوات بعيدة، حين كان الكاتب وإخوته أطفالا، أما الصفحة السوداء الثالثة فقد تضمنت قصيدة يستحضر فيها الكاتب ابن عربي اختار لها عنوان «طريق ابن عربي».
يقول فريد رمضان في حديثه مع ابن عربي أن هذا الاخير أمره بأن لا ينسى اسمه لكنه نسي، وفي ذلك أكثر من دلالة على لوم الكاتب نفسه لنسيانه، لا اسمه طبعا، وإنما لنسيانه عائلته ربما لفترات من الزمن قد تكون الحياة شغلته فيها عن تذكر عائلته. ويبدو حضور ابن عربي في الكتاب مكثفا، ذلك أنه حضر في أكثر من موقع لعل أبرزها على الإطلاق تصدره الكتاب فقد حضر من خلال نص لإبن عربي بعنوان «كان يا ما كان»، ونص «طريق إبن عربي التي علاوة عن أنها كانت إحدى القصائد المبرّزة في الكتاب، اختار الكاتب أن تكون غلافا لكتابه.
تجدر الإشارة ونحن بصدد الحديث عن كتاب «عطر أخير للعائلة» أن هذا الكتاب أو «العطر» كما أسماه مؤلفه كتب بين يناير/ كانون الثاني 2000 وديسمبر/ كانون الأول 2002.
العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ