ظل الزعيم الليبي الكبير العقيد معمر القذافي يحلم طوال أربعين عاما، بسلسلة من الثورات التي تغيّر وجه العالم، وآخرها الثورة التي ستغير وجه ليبيا الخضراء.
ففي آخر أطروحاته الثورية، دعا الزعيم الليبي الأحد الماضي إلى «إلغاء» عدد من الوزارات والأجهزة الإدارية الخدماتية في بلاده بسبب «فشلها» في تسيير أموال النفط و «عجزها عن الإنتاج وتقديم الخدمات للشعب الليبي».
القذافي أعلن ذلك أمام مؤتمر الشعب العام (وهو النسخة الليبية لما يسمى البرلمان في دول العالم الأخرى)، وفي صراحة متناهية، أعلن أن «الليبيين عبّروا منذ سنوات عن عدم رضاهم عن إدارة هذه الوزارات لعدم قدرتها على تلبية مطالبهم». والأخطر أنه اعتبر هذه الوزارات قد «تحوّلت إلى إخطبوط تفشى فيه الفساد والرشوة والوساطة».
القذافي لم يطرح اقتراحه «الثوري» في الهواء، وإنما أردفه بالدعوة إلى الاستعاضة عن هذه الوزارات بتوزيع الثروة على المواطنين مباشرة، وقال: «يجب توزيع العوائد النفطية على المواطنين بالتساوي وليفعلوا بها ما يريدون من خدمات في مجال التعليم والزراعة والصحة والصناعة».
الاستثناء الوحيد الذي انتبه له العقيد بحسه العسكري وخبرته الياسية التي تزيد على أربعة عقود في الحكم، وهو وجوب استثناء «الوزارات السيادية» التي يقوم عليها البلد، مثل «الدفاع والأمن والخارجية والداخلية»، فمن دون هذه الوزارات لا يمكن أن تستمر الثورات، ولا تحقيق الإصلاحات، ولا تحقيق المنجزات.
الزعيم الليبي تكلّم بالأرقام وليس بالأحلام، وكشف أنه أنفق «37 مليار دولار سنويا في الأعوام الأخيرة»، وأن «اللجان الشعبية العامة (المسمى الخاص بالحكومة في ليبيا) أخفقت في إدارة هذه الأموال، وبالتالي «لا ينبغي أن تكون هذه اللجان موجودة بعد فشلها». واستدل على فشل هذه اللجان في كل شيء، بعدم تمكنها حتى من تخريج فنانين أو مغنين جيدين ينافسون بقية المغنين والمطربين العرب.
على أن الجزء الأهم في الخطاب التاريخي للزعيم الليبي، هو إعلانه «أن ليبيا من الآن فصاعدا أصبحت من دون حكومة، وأن على الليبيين تسيير أنفسهم بأنفسهم في ظل سلطة الشعب بعد فشل كل الحكومات المتعاقبة في أدائها»، ووصف «القطاع الإداري في ليبيا بـ (الإخطبوط) الذي يلتهم ثروات الشعب من دون تنفيذ المهمات الموكلة إليه»!
دلالة هذه الثورة الجديدة أنها جاءت خلال الاحتفال بمناسبة العيد الـ 31 لإعلان سلطة الشعب، وتم تتويجها بالإعلان عن «توزيع الثروة النفطية على الشعب الليبي بواقع خمسة آلاف دينار (نحو 4131 دولارا) لكل أسرة، أو ألف دينار لكل شخص (820 دولارا)». وبشّر الشباب بأن مشروعاتهم وطموحاتهم ونواديهم ودارستهم في الداخل والخارج وزواجهم وبيوتهم ستكون في أيدي نجله سيف الإسلام الذي يتولى أمرهم.
عالميا، تنبأ القذافي بحصول كوارث أخرى نتيجة ارتفاع أسعار النفط، «فالبلدان التي فيها النفط بكميات كبيرة ما لم تحل مشكلة هذا المال بما يرضي شعبها ستحصل فيها مشكلات خطيرة».
المراقبون يتوقعون مع إعلان هذه الثورة، أن يتدارس البرلمان كيفية تحقيق رغبة الزعيم بتفكيك اللجان الحكومية، والبحث عن أسهل الطرق وأسلسها لإلغاء عدد من الوزارات، ما يهدّد بـ «تفنيش» عدد من الوزراء والوكلاء والمديرين، ويزيد نسبة البطالة في ليبيا.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2007 - الثلثاء 04 مارس 2008م الموافق 25 صفر 1429هـ