خلق المبادرات، صناعتها، والوقوف عند مساحات مفتوحة من العمل السياسي الحقيقي لا «التهريج» هو ما تحتاج إليه البحرين اليوم. وبالرجوع إلى ما حدث أمس، إذا استمرت وتيرة الاحتقان المتصاعد في المجلس النيابي فعلى النواب في الفريقين أن يتخلصوا من ثنائية الوزيرين عطية الله وبن رجب بصفتهما يمثلان استجوابات طوائف، تستجوب «الوفاق» عطية الله، فتستجوب «المنبر» بن رجب. لابد أن يمرر الاستجواب الأول وينهى بالتصويت كما تريد الغالبية النيابية، وليؤول استجواب بن رجب لأي النتائج فليس نواب «الوفاق» من تقع عليهم مسئولية الدفاع عنه، وهم لم يقولوا بالدفاع عنه على أي حال.
هذه الأجواء ليست حسنة؛ لأنها تغذي الحس المراهن على المزايدة الطائفية وصولا إلى سد منافذ العملية السياسية داخل المجلس. لا أعتقد أن هذه المراهنة تفيد أيا من الكتل النيابية. فتعطيل الأدوات الرقابية لا يخدم التجربة الإصلاحية بل يشل حركتها.
ليس تمرير الأربعين مليونا أمس مربط الفرس، بل هي طبيعة العملية السياسية برمتها. إذ لا يعقل أن تنسف مواد الدستور واللائحة الداخلية وتذر في الهواء، ولا يعقل أيضا أن تتوقف العملية السياسية في المجلس لمجرد استجواب وزير أو وزيرين. هذا المجلس النيابي يمكن أن يتحرك بأسلوب آخر، إذ لن يخرج منه ملف واحد للمعارضة من دون أن تكون باقي الكتل راضية بذلك. فلماذا كل هذه الممانعة؟ وفي الجهة المقابلة، على «الوفاق» - التي اختارت أن تحمل لوحدها ثقل حصة المعارضة داخل المجلس - ألا تضرب رأسها في الحائط إذا لم تتمكن من استجواب من تشاء، وربما يكفيها أن تناقش ردودها واعتراضاتها. فهذا أقل ما يمكن لمجلس النواب تقديمه، وهو ضمن السقف المسموح به.
لا يوجد شيء تاريخي قد ينتجه هذا المجلس النيابي حتى يضطر البحريني لمشاهدة هذه العروض المسرحية المتكررة. ولا مبرر أيضا لأن يصل الفريقان إلى هذه المواقف. لابد في هذا السياق من إعادة حياة العملية السياسية إلى طبيعتها.
قد يكون استمرار وتيرة هذا التأزيم المستمر في المماطلات والتشنجات بشأن تمرير الاستجواب مفروضا على الكتل، وليس محض مصادفة أو عنادا غير مدروس؛ مما يجعلنا نحذر مجددا من غلق الخيارات على مجال واحد فقط.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2007 - الثلثاء 04 مارس 2008م الموافق 25 صفر 1429هـ