العدد 2005 - الأحد 02 مارس 2008م الموافق 23 صفر 1429هـ

تحديات الإقليم ومستصغر الشرر

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أن يزور حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس أمرا عاديا لعدة أسباب، أولها شخصي يعود إلى الرجل ذاته الذي ارتبطت به الحركة التجارية والعمرانية الملفتة للإمارة إلى الحد الذي دفع أحد السياسيين الخليجيين من قارئي الفنجان إلى أن يرى مستقبل دبي السياسي كمستقبل سنغافورة عندما اقتطعت من الاتحاد الماليزي في منتصف الستينيات، وثانيا لأن الرجل هو نائب رئيس دولة تعتبر من أهم الشركاء السياسيين والاقتصاديين لطهران إقليميا ودوليا، حيث تشير الإحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 7.11 مليارات دولار العام الماضي أي بزيادة في حجم الواردات الإيرانية من الإمارات بقيمة 2.9 مليار دولار، وثالثا لأنها الزيارة الأولى لمسئول إماراتي على هذا المستوى منذ قيام الثورة الإسلامية في العام 1979.

بطبيعة الحال فإن الزيارة لا يمكن فصلها عن الأحداث الخاصة التي يمر بها هذا الإقليم، والذي تتشاطأ على خليجه عديد من الدول، بينها ست دول التأمت ضمن اتحاد سياسي واقتصادي منذ العام 1981 ولغاية الآن، وربما قراءة سريعة لإرهاصات هذا التشكل من شأنها أن تعطي مؤشرات مهمة إلى الوضع الراهن (وقد ذكرتُ ذلك سابقا) فقد كان الهمُّ الأول لهذا الكيان خلال تلك الفترة هو الهاجس الأمني الذي تعاظم بعد انتصار الثورة الإسلامية وما تبعها من نشوب أطول حرب في القرن العشرين بين إيران والعراق، فقد كانت مفاعيل الحرب العراقية الإيرانية واصطفافاتها تلقي بظلالها على سياسات دول المجلس التي بدت غير متفقة إلى حد ما في التعاطي مع القضايا الخارجية والداخلية للإقليم بالقدر الذي يوفر لها تماهيا في المصالح واتخاذ المواقف، فكانت سياسات المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت أقرب إلى بعضها من سياسات كل من عُمان وقطر والإمارات التي اتسمت بالبراغماتية في قبال سياسات الإقصاء والحذف Exclusion تجاه الخصوم.

وعلى رغم أن الهاجس الأمني بقي على حاله طيلة عقد الثمانينيات فإن تظهيره بدا أكثر جلاء واتحادا بعد احتلال نظام صدام حسين الأراضي الكويتية في أغسطس/ آب العام 1990، حيث سعت دول الخليج مجتمعة إلى التَّسَيُّج المحكم بالأمن المستورد من الولايات المتحدة الأميركية التي صاغت حينها نظاما عالميا جديدا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانكفاء العراق على نفسه وانطلاق مؤتمر مدريد للسلام، فكان ذلك إطارا أمنيا بديلا عن ضمور خيار الضم Inclusion في المعادلات السياسية بالنسبة إلى دول المجلس.

في مرحلة ما بعد التسويات الأمنية التي أمَّنتها دول مجلس التعاون لنفسها عبر التحالف العسكري مع الولايات المتحدة بدأت مرحلة التقييم للمرحلة السابقة، إذ تمكنت النظرات المتباينة إلى موضوع الأمن بين دول المجلس بفعل عوامل جيوبوليتيكة حساسة جعلت العراق مثلا في مرحلة ما يشكل تهديدا مباشرا لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت بينما لم تتحسس دول أخرى في المجلس من موضوع العراق بالشكل ذاته الذي تراه كل من الكويت والرياض اللتين تحدانه بحدود مباشرة، الأمر الذي اتضح بعد غزو العراق. لكن، وفي المرحلة التي أعقبت الاحتلال الأميركي لبغداد، بدت الأمور أكثر خطورة بعد انهيار ثقل عربي في المنطقة الشمالية المعتدلة من جنوب غرب القارة الآسيوية وتحوله إلى حالة استقطاب مفضوحة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وأيضا تبدل الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد من طبقة حزبية تاريخية ساهمت (رغم علمانيتها المتطرفة) في إبقاء الحكم فيه سنيا لكنها في نفس الوقت ظلت طبقة مأمونة العواقب بسبب ضعفها وانكفائها بفعل حربي الخليج الأولى والثانية والحصار الدولي عليها إلى طبقة سياسية جديدة ومتحاصصة ليست لها علاقات دولية (سوى مع واشنطن ولندن) وإقليمية (سوى مع طهران) بالقدر الذي يؤمِّن للحاضنة الجغرافية مزيدا من الثقة والطمأنينة، وخصوصا أنها طبقة بدأت في مزاحمة دول الخليج علاقاتها مع الولايات المتحدة التي سعت إلى مفاضلة طارئة مع وجود 11 في المئة من احتياطات النفط العالمية في جوف الأرض العراقية .

كما أن الحكومات المتعاقبة على حكم العراق بعد الاحتلال وبفعل ديمغرافية البلد كانت (ومازالت) حكومات تتمتع بعلاقات غائرة مع إيران إن لم تكن من الجنبة السياسية فبفعل الجنبة العقائدية التي بدأت تنشط بعد استقواء أطراف عراقية أخرى بدول إقليمية وكبرى في صراعها مع القوى الأخرى داخل النسيج السياسي الجديد، وهي كلها أمور بدأت دول الخليج تنظر إليها بمزيد من الترقب والحساسية وصلت إلى حد الخلاف مع الإدارة الأميركية على طبيعة المصالح القائمة وتحديد بوصلتها في المنطقة، لكن تسارع وتيرة الأحداث والضغط الأميركي المتصاعد دفع دول الخليج إلى أن تبدي تجاوبا في علاقاتها مع بغداد عبر حسابات دقيقة أبرزها رغبة دول مجلس التعاون في الإعلان عن المجلس الخليجي - العراقي بغية تطوير العلاقات بين الجانبين والحد من التدخلات الخارجية في الشئون العراقية، وأيضا إعلان المملكة العربية السعودية رغبتها في فتح سفارة لها في بغداد.

التحدي الثاني هو موضوع الضفة الأخرى من الخليج حيث إيران، فقد تباينت مواقف دول المجلس حيالها منذ البداية أيضا، فسلطنة عُمان حافظت على علاقاتها مع طهران وكذلك فعلت الإمارات وقطر والكويت والبحرين (حديثا)، وبين كل تلك السياسات الانفتاحية على إيران والتي قامت بها دول الخليج كانت الأزمنة والحُقب بينها متباعدة إلى حدٍّ ما قد تصل إلى بحر عقد من الزمن، وربما كان إدراك الدول الست أن ما بين اشتراط الصداقة والعداوة بالمصالح، تَتَشَمّع علاقات الدول أو تَتَزَيّت، دفعت العلاقات باتجاه الوقوف بين متطلبات الجيرة الضامنة وأهمية العلاقة التاريخية مع الغرب، فهي وإن كان ناتجها المحلي يفوق السبع مئة وخمسة عشر مليار دولار ونصيب للفرد السنوي يفوق العشرين ألف دولار، فإنها وفي نهاية المطاف لا تزيد مساحتها الإجمالية على 2673 كيلومترا مربعا، وبأنفاس لا تتجاوز 35.1 مليون نسمة نصفهم دون سن العشرين، لذلك فهي تدرك حجم التحديات المحيطة بها، وضرورة السعي إلى إبعاد المنطقة عن أية توترات سياسية أو اقتصادية، وربما أرادت دول المجلس تعويض تعاونها المبني في الأغلب على أنظمة تصدر من أجل توثيق التعاون الاقتصادي والاجتماعي والأمني بتصفير مشكلات الإقليم والعلاقات المستقرة مع دول الجوار وخصوصا إيران.

التحدي الثالث الذي بدا تحديا خطيرا لدول الخليج هو المرتبط في جزء منه بالتنمية والبيئة، وخصوصا موضوع المياه، فمنطقة الخليج ومنذ انحسار العهد الجيولوجي الكورسي كانت ترتكز في استحصال المياه على الآبار السطحية التي بارت مع زيادة عدد السكان وقلة هطول الأمطار التي لا تزيد في جنوب شرق الإقليم على 600 مليمتر وفي الشمال الغربي على 100 مليمتر سنويا، كما أن بطء تجدد مياه الخليج يشكل عائقا آخر، فالموجة البحرية القادمة من بحر العرب والمحيط الهندي عبر مضيق هرمز لا تأخذ دورتها على كامل الخليج إلا بعد ثلاث سنوات تقريبا وهو ما يشكل عائقا أمام مشروعات التحلية.

لذلك فإن الدول الخليجية بحاجة اليوم إلى تأمين مصادر مياه تفي بمتطلبات الزيادة السكانية والطفرة الصناعية، ولهذا عمدت قطر إلى إبرام مشروع «الأنبوب الأخضر» لشراء المياه العذبة المتدفقة من نهر قارون وكذلك فعلت الكويت في العام 2005 لاستيراد أكثر من 760 مليون ليتر من المياه يوميا، وهو الخيار الأفضل والأقرب لدول الخليج التي يتعذّر عليها استيراد مياه لبنان أو سورية أو العراق بسبب تعقيدات السياسة والجغرافيا أيضا.

إن دول الخليج تُدرك أن مقومات الاستقرار الأمني قد تستجلب من الخارج، لكن ذلك الاستيراد يبقى محاطا بالمخاطر ومتأثرا بالظروف العالمية وبمستوى تأمين وصوله، أما الضمانة الأكيدة لتلك المقومات فهي أن تكون ضمن الحاضنة الجغرافية الطبيعية للدول، وفي ذلك يأتي التحدي الأكبر في القبول بهذا الخيار أو رفضه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2005 - الأحد 02 مارس 2008م الموافق 23 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً