الذي هو طبيعي، هو أن تقرع الحكومات طبولها في الدفاع عن وزرائها، عن سياساتها، وعن كل مكون من مكوناتها. الذي هو طبيعي أيضا، هو أن تسعى الحكومات إلى لملمة ملفاتها في المجالس التشريعية بتمرير الصفقات أسفل الطاولات. ولأننا غير طبيعيين على ما يبدو، فإن شيئا من هذا لا يحدث عندنا. الطبيعي هنا، هو أن ينتهي بعض السادة النواب لحكمة قوامها تقويض أدواتهم الرقابية، الواحدة تلو الأخرى، يتسابق هؤلاء في إنهاء حتى ذلك القدر البسيط مما قد يكون حجة أو ذريعة في أن نقول للناس: انظروا، لقد حققت المشاركة لكم شيئا ما.
ولأننا غير طبيعيين، فإن الكثير مما كان بمثابة الأعراف البرلمانية قد سحقناه، فمرة يصبح القانوني «بركات» بطلا هزبرا في المعضلات الدستورية وتفسير اللوائح الداخلية، وهو نفسه، قد يصبح ضعيفا في كتابة المذكرات القانونية مثيرا للشفقة.
ولأننا غير طبيعيين، في تجربة غير طبيعية، فإن شيئا مما هو طبيعي لا يمكن أن نراه طبيعيا في هذه الأجواء اللاطبيعية، فمثلا، سمعنا/ قرأنا/ فهمنا/ عرفنا/ كنا نتوقع أن الحكومات في كل بلدان العالم غالبا ما تعقد الصفقات لسد نوافذها المفتوحة في المجالس النيابية تحت طاولات النواب، ولكننا في خضم اللاطبيعيات السائدة نجد حكومتنا الموقرة اليوم، مصرة على أن تستمر في شدها لشعرة معاوية من دون هوادة... وأمام كتلة هي الأخرى تبدو غير قادرة على الإفتاء بحلية الصفقات أو حتى طلبها، فإن طبيعيا واحدا مما قد يحدث في هذه التجربة، لن يراه الناس.
الذي قد ننتهي عنده في خضم هذا الهراء، هو اليأس الذي كنا ولانزال نحذر منه، والذي قد يكون المحصلة الأخيرة التي ينتهي عندها الناس لهذا العمل النيابي «المعوق»، وهو خيار سنصل له اليوم أو غدا. ستكون الخاتمة، استقالات جماعية للبراءة من دم يوسف الذي يكاد نواب «آخر زمن» أن يقتلوه حقيقة لا كذبا. وبالاستمرار في سياق قاعدة «لا أحد يسمع هنا، أو يهتم بما يجري ويحدث»، فإن نهاية لهذا الهراء تكاد تكون وشيكة لتطغى أصوات طبول أبطال الطوائف وترمي البحار ما في أمواجها من كراهية وبغضاء تشتد كل يوم في قلوب الناس الذين مازالوا يعتقدون بأن «الوفاق» هي حامية حمى الشيعة وأن «الأصالة» و «المنبر» حماة النظام والسنة.
ماذا تبقى من الطبيعي فينا، وإلى أي المساحات نسير في هذه الأيام التي لا تخبئ لنا إلا المر بعد المر. كلنا شركاء في صناعة أوجاعنا ومآلاتنا الصعبة، وخلاف أن يلاحظ من أهل الملاحظة ذلك وأن يقوموا بتصحيح ما نحن فيه من عته، فإن أحدا ممن يقطن في هذه الجزيرة الصغيرة لن يشرب من الكأس.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2005 - الأحد 02 مارس 2008م الموافق 23 صفر 1429هـ