يا لها من منحوتة شعرية تلك التي نحتها شاعرنا الأديب نزار قباني في قصيدة له سمعتها بصوت أخي الصغير «أحمد بخش»، الطالب المجتهد بجامعة الخليج العربي، وكان مطلعها الآتي:
أبحث عن رجال آخر الزمان
فلا أرى في الليل إلا قططا مذعورة
تخشى على أرواحها
من سلطة الفئران
نعم، هناك الكثير من القطط التي تخشى على أرواحها من سلطة الفئران؛ ففي بعض المؤسسات قامت مجموعة من ذوي السلطة بتوظيف مجموعة من الشباب في مراكز حساسة تتطلب الكثير من الخبرة، ولكن للأسف وكما هو معهود من هذه المجموعة التخبط، في وضع الكفاءات المناسبة من ذوي الخبرات القديرة في غير مكانها الصحيح، ما ينتج عنه تسلُط الفئران.
لسنا ضد توظيف الكفاءات الشبابية خصوصا، ولكننا ضد وضع أي شاب أو شابة من دون وجود خبرة في مراكز تؤثر على المجتمع تأثيرا سلبيا، فهناك على سبيل المثال الوزير الشاب، المدير الشاب والقاضي الشاب والقاضية الشابة، وكلهم على سبيل المثال لا يتعدون في خبرتهم أكثر من سنتين في المجال الذي تم اختيارهم من أجله.
إن التسرع بتوظيف شخص غير مناسب في مكان قيادي يؤدي الى ظهور مشكلات ربما تتفاقم في المجتمع، والدراسات أثبتت أهمية الخبرة إلى جانب الشهادة الجامعية في صقل شخصية الفرد في المجتمع؛ فهي تساعد في اثبات الذات والمعرفة والإلمام بشتى أمور المؤسسة، وخصوصا عند اتخاذ القرارات المفصلية، ولكن عندما نولي شابا معدوم الخبرة مسئولية ما نجد ضبطه لبعض الأمور الإدارية والمالية مقلقا لعدم وجود الخبرة.
وفي ذلك، أتذكر قصة رواها لي أحد الإخوة الأعزاء عندما قمت بزيارته مكتبه في أحد المصارف، إذ أخبرني بأن العائلة صاحبة المصرف ترسل أبناءها وأحفادها الخريجين من الجامعات للعمل في أحد فروع المصرف ويكون موقع الحفيد أن يبدأ في العمل مراسلا حتى يتدرج الى رتبة مدير، ويوضحون لمدير المصرف عدم معاملة ابنهم على أنه صاحب المكان بل يعاملونه بحسب الرتبة التي يحملها في العمل بل يشددون عليه أكثر.
عجبا لأصحاب هذا المصرف الذين حرصوا على تدرج أبنائهم من رتبة مراسل إلى موظف، ومن ثم إلى بعض الرتب الأخرى انتهاء برتبة مدير! أعتقد أن السبب هو اكتساب عنصر الخبرة، إذ الشهادة الجامعية وحدها لا تكفي لصقل الشخصية الإدارية، بل الخبرة والتدرج الوظيفي هو السبيل إلى ذلك.
التاريخ سرد لنا أهمية الخبرة في المراكز الإدارية، فعندما ولي أبو عبدالله الصغير حكم الأندلس كان صغيرا، ولم يكن ذا خبرة فكان أن ضاعت الأندلس من حكم العرب! ولو أمعنا القراءة نجد خطورة الوضع في المعايير التي تتخذها الدولة في مسألة التعيينات في المناصب القيادية.
المعيار الرئيسي في شأن التعيين يجب أن يكون التحصيل العلمي والخبرة والكفاءة، وليس على أساس التخبط والواسطة والشكل الحسن، ويجب أن يترجم المسئولون حديث الرسول الكريم (ص) عندما قال: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
وهذا هو حتما آخر الزمان عندما تولي الحكومات السلطة لشخص غير قدير يتحكم في الموظفين المتميزين، وقتل عناصر الابداع والقيادة فيهم.
فهنيئا لنا سلطة الفئران!
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2005 - الأحد 02 مارس 2008م الموافق 23 صفر 1429هـ