مررت من خلال عملي في غرفة أخبار في باكستان خلال الشهور القليلة الماضية، بالكثير من اللحظات المثيرة.
قمنا كصحافيين بتغطية كل حدث، من تظاهرات الانتخابات الصاخبة إلى انفجارات القنابل والتفجيرات الإنتحارية. إلا أن الأحداث الماضية لم تعدَّني وزملائي لشعور بمصير قاتم قريب كما حصل عندما قدِمنا إلى غرفة الأخبار يوم 18 فبراير/ شباط للبدء بتغطية واحدة من أكثر الانتخابات البرلمانية الباكستانية حسما.
أعددنا أنفسنا لما هو أسوأ. خلال الشهور القليلة الماضية عانت باكستان من ارتفاع في مستوى العنف، مع هجمات يومية تقريبا، إلى أن حانت الانتخابات. لم يستطع أي منا توقع النتيجة الفعلية: انتخابات حرة عادلة بشكل مثير للإعجاب لم تتخللها سوى أحداث عنفية متفرقة.
مما لاشك فيه أن اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو قد شحن جو هذه الانتخابات. لقد كان حزن باكستان على مقتل بوتو عارما وكاسحا، على رغم أن الفترتين القصيرتين اللتين قضتهما في الحكم تخللتهما اتهامات بالفساد وسوء الإدارة، فقد حولها الموت إلى شهيدة بالنسبة إلى أنصارها. وقد أبلى حزب بوتو، حزب الشعب الباكستاني، بلاء حسنا في إقليمها، بلاد السند، كما كان متوقعا. إلا أن الحزب الذي حقق مكاسب كبرى في البنجاب، أكثر أقاليم باكستان اكتظاظا بالسكان، هو حزب معارض آخر تابع لرئيس الوزراء السابق نواز شريف.
وقد أتت أكثر النتائج إثارة للاستغراب والدهشة من إقليم الحدود الشمالية الغربية من باكستان المتاخمة لأفغانستان، والذي يشار إليه في الغرب أحيانا بسخرية على أنه «الغرب المتوحش»، ومكان ولادة حركة طالبان. في هذا الإقليم حقق حزب «عوامي» الوطني العلماني نصرا حاسما على التحالف الإسلامي السياسي، ما يشكل خطوة إيجابية أولى لإعادة إحياء المجتمع المدني البشتوني وتحسين العلاقات الباكستانية الأفغانية المتوترة.
الفائز الأكبر في هذا كله هو الديمقراطية الباكستانية. لقد شهد تاريخ باكستان الذي يبلغ عمره 61 سنة كفاحا طويلا بين القادة العسكريين والمدنيين. وقد أثبتت الانتخابات أن الباكستانيين مستمرون في الإيمان بطرح الديمقراطية حتى بعد الإرهاب والخوف من العنف.
طريق باكستان نحو الديمقراطية طويل ومضنٍ، فالانتخابات في نهاية المطاف لا تشكل سوى مكون واحد من مكونات الديمقراطية الفاعلة ويجب رفدها بمؤسسات فاعلة وعادلة، كقضاء وإعلام مستقلين، غابا بشكل واضح جلي عن باكستان مؤخرا. ففي الوقت الحالي مازال كبير القضاة افتخار شودري ومعظم الهيئة القضائية العليا المعارضة لاستمرار حكم مشرف قيد الإقامة الجبرية المنزلية.
هناك دروس يجب تعلمها من انتخابات 18 فبراير من قبل المجتمع الدولي وخصوصا الولايات المتحدة. فقد جرى دعم الحكومات العسكرية في باكستان مرات أكثر من الحاجة لأسباب «استراتيجية»، أحيانا على حساب الحكم الديمقراطي. يجب أن تتغير هذه السياسة إذا أريد أن يكون هناك جهد عالمي فاعل لمكافحة التطرف ورفض هؤلاء الذين يشجعون صدام حضارات وشيكا.
قفزت باكستان خلال الشهور القليلة الماضية من أزمة إلى أخرى، واحتلت خلال تلك العملية كمَّا ضخما من مساحات العناوين الرئيسية في الصحف الدولية. لقد صعقتُ لدى قراءة مقالات كتبت بأسلوب بدائي في الإعلام الأميركي تطالب بغزو أميركي لباكستان لتفكيك سلاحها النووي في حال كان تفسخ النظام الباكستاني في غير صالح الشعوب التي تعيش هنا في منطقتنا.
كانت تلك انتخابات تاريخية حقا بالنسبة إلى باكستان. إلا أن السؤال الأوسع بشأن ما إذا كان الجيش الباكستاني، الذي أصبح قوة جبارة اقتصاديا وسياسيا إلى درجة كبيرة خلال السنين الـ61 الماضية، سيعود إلى معسكراته، سيبقى من دون إجابة. إلا أن هناك قوة اندفاع متنامية داخل الدولة تطالب بإنهاء النمط الذي تكرر عبر تاريخنا وماضينا.
لقد رفض الشعب الباكستاني قوى الدكتاتورية والتطرف من خلال ممارسته حق التصويت في أكثر الظروف صعوبة. نأمل أن يسمع بقية العالم أصواتنا وأن يدعم جهودنا.
* صحافي باكستاني وكاتب مستقل يعيش في باكستان، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2005 - الأحد 02 مارس 2008م الموافق 23 صفر 1429هـ