ذات مرة، كتبت موضوعا بخصوص “الأبطال الجدد” في المجتمع البحريني، وهم مجموعة من عشاق إثارة الفتنة والمشكلات والحساسيات في المجتمع عبر تواصلهم الدائم واللامنقطع، والمتخفي تحت أسماء مستعارة، في عدد من المنتديات البحرينية... ذلك الموضوع جذب لي طالبا يدرس في تخصص الإعلام بإحدى الجامعات العربية، ليطلب مني التباحث معه بشأن بحث أكاديمي يعتزم إجراءه ليقيس مدى تأثير تلك المنتديات المثيرة للطائفية والروح العدائية بين الشعب البحريني.
ذلك الطالب البحريني، كان قد حدد مسبقا خطة البحث، بحيث يبدأ من جانب أجده “موفقا”، وهو محاولة تتبع نماذج من مساهمات الأعضاء ومضامينها، ودوافعها... وهنا المهم، في إطار قياس نفسي مستخدما بعض المقاييس في علم الاجتماع أو ما شابه ما يستخدمها الباحثون.
وبعيدا عن المقاييس العلمية وأدوات بحثها، يمكنني أن أختصر المسافة... فمن الواضح جدا، بعد أن قضيت وقتا مع الباحث في استعراض نماذج كثيرة ومتنوعة، أن هناك مئات العشرات من المرضى النفسانيين يجلسون ساعات طويلة في تنفيذ مخطط تدميري رهيب في البلد، يقوم على الفتنة الطائفية بالدرجة الأولى، انطلاقا من تأليب أبناء الطائفتين الكريمتين ضد بعضهم بعضا، تحت عناوين عريضة وكبيرة ومتكررة تكرارا لا يمكن أن يخرج عن فلك الفتنة، فالغالبية العظمى من المشاركات تبدأ بالتكفير، ثم تعرج صوب قضية شتم الصحابة والتحذير من وجود طائفة خطيرة للغاية تنوي تدمير البلد، وبعد ذلك يبدأ التكرار الآخر في تأليب المواقف من ناحية الانتماء والمواطنة، فيما تذهب مشاركات أخرى مضادة، إلى الترويج لإسقاطات سياسية مدوية، ولا تخلو هي الأخرى من الطرح الطائفي المضاد، وتصبح الأمور في غاية السوء ليعيش أولئك الأشباح أمدا طويلا في مناقشة خلافات تاريخية، من المفترض أن يكون قد عفا عليها الزمن، ويبدأ سيل من الاتهامات والشتائم والسب الوضيع، يصل إلى انتهاك الأعراض وتقاذف الاتهامات بعدم طهارة المولد، والعداوة للدين والوطن، والأشد من ذلك... الاستعداد لحرب شرسة لا هوادة فيها... من دون أن يعلموا أنهم ذاتهم لا يستطيعون الخروج للمواجهة أبعد من مفاتيح الكمبيوتر.
أعتقد أن الكثير من القراء الكرام، يتجولون في مواقع إلكترونية بحرينية، ولا يحتاجون مني أو من الباحث أدلة كافية على ضراوة الوضع بين أشباح الفتنة هؤلاء، الذين لو تمكن الباحث منهم من إثبات شيء مهم، فهو لن يتعدى حدود إثبات أنهم مجموعة من المجانين، صغار السن والعقل، تأكل في نفوسهم وقلوبهم الأمراض النفسية من أعلى رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم.
لكن لندع ذلك جانبا، ونتجه إلى جانب آخر في البحث سيعتمد هذه المرة على حقيقة تأثير تلك المنتديات الإلكترونية في مزاج أبناء الطائفتين من المواطنين، وهل ستكون تلك المنتديات مسببا واقعيا وحقيقيا لتدهور العلاقة وتأجيج الخلاف الطائفي والمذهبي في البلاد.
حتى ينجز الباحث بحثه، من خلال أدواته العلمية واستطلاعاته الميدانية القائمة على الاستبيان الدقيق، سنقر بأن هناك ظاهرة مقلقة فعلا، لكنها غير مؤثرة على أرض الواقع! وإن كان المتأثرون بها في المجتمع، هم أنفسهم الذين ينقلونها معهم لتعيش معهم في حياتهم اليومية، إلا أنهم أجبن من أن يعبروا عن آرائهم ومواقفهم (السرية) في الحياة العامة، بمعنى أن الصراع مع المرض النفسي المرير، يسير مع أولئك الأشباح، الذين نقول لهم (كيدوا كيدكم)، مجرى الدم في العروق... لأنهم مجموعة أبالسة.
لكن السؤال البسيط جدا هو: “هل تركت وزارة الإعلام الحبل على الغارب لإدارات المنتديات الطائفية؟ أم أن عيون الرقابة، عن كل عيب قريرة؟”.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ