من يزرع بذور ريحان يحصد ريحانا، ومن يزرع بذور بطيخ يحصد بطيخاَ. وكل إناء بما فيه ينضح.
لا أعرف في الحقيقة، لماذا يغرق الناس في التفاصيل بشأن مسألة إنتاجية البرلمان؛ فالجواب يقرأ من عنوانه. البرلمان الطائفي هو برلمان تقوم فيه الكتل والنواب المستقلون بالتحليل العقدي/ الطائفي لجميع القضايا المطروحة تحت قبته.
وكلما وجدت أحدهم فاغرا فاه من الانقسام الطائفي في البرلمان، كلما قلت في نفسي: لماذا كان اختياركم على أساس طائفي، واستبعدتم وأقصيتم الوطنيين والتكنوقراط من الانتخابات؟ ومادمتم اخترتم (أو تم الاختيار نيابة عنكم) أن يكون نائبكم طائفيا، فلماذا العجب من الطروحات الطائفية في البرلمان؟!
هل ينتظر الناس أن يأتي النواب بمعجزة خارقة للعادة والمألوف وهي السمو الوطني في مناقشة القضايا المعروضة على البرلمان؟ إن كان الناس ينتظرون ذاك اليوم فإن هذا مما يشبه المستحيل! فالنائب الذي تم انتخابه على أساس أنه يمثل الطائفة، أعتقد أنه من السذاجة والخبال السياسي أن ينتظر الناس منه أن يمثل جميع المواطنين، حتى وإن نص برنامجه الانتخابي على ذلك!
أليس جميع النواب يقولون إنهم يمثلون جميع المواطنين، أليست الجمعيات السياسية الطائفية تقول إنها تمثل جميع أبناء الوطن؟! أعتقد أن النائب الذي كان قبل شهر أو عدة أشهر من دخوله البرلمان يقوم بتوزيع أشرطة وأقراص مدمجة ورسائل نصية طائفية، ويكتب في المنتديات الإلكترونية بنفس طائفي لن يكون طرحه تحت قبة البرلمان وطنيا.
الحاضنة للبيضة التي فقست فرخ الطائفية هي واقع اجتماعي وسياسي يحمل الكثير من التعقيدات المركبة والوصلات الرابطة بين كثير من التشعبات، منها ما يتعلق بالتنشئة السياسية للأفراد، وتلك أيضا مختلطة بالدين والمذهب (أي عقائدية)، ومنها ما يتعلق بالتموضع الاجتماعي للفئات المنتمية لهذا التنظيم السياسي أم ذاك، ومنها ما هو مصلحي (مادي) يسعى لتحصيل المصالح والمنافع للتنظيم ومنسوبيه. وعلى هذا الأساس، استطاعت قوى محددة في الدولة رسم المستقبل لما بعد الانتخابات.
يعتبر الأمل في التوافق الوطني تحت قبة البرلمان هو نوع من أنواع الخبال السياسي المحض. فالواقع يقول: إن الانتماءات السياسية تحت قبة البرلمان قائمة على الطائفية، والأخيرة اشتد عودها وأينعت في حاضنات سياسية واجتماعية (دينية) تملك سلطة الدين والمال والنفوذ في المجتمع. تلتزم بالأوامر والنواهي بصورة صارمة وقطعية ونهائية وباتة. وهي أوامر ونواهي المراكز العامة أو المراجع الدينية. وأي تحليل سياسي للواقع البحريني خارج هذا السياق هو من قبيل الإغراق في الجزئيات والغفلة عن الأساسيات.
«عطني إذنك»...
كنا قبل ميثاق العمل الوطني، نوجه الاتهام إلى الحكومة بأنها تفعل كيت وكيت، واتهمناها بالتقصير في مجالات عدة، إلا أننا لم نوجه اتهاما واحدا للحكومة فيما مضى من وقت، بأنها طائفية؛ لأنها لم تكن كذلك. لم تكن المسألة الطائفية فيصلا كما هي الحال بعد الميثاق.
اليوم، بعد مضي سبع سنوات على الميثاق، نجد أن أطرافا في الدولة والمجتمع (القوى السياسية) تمارس الطائفية بشكلها اللاأخلاقي، وهل للطائفية شكل أخلاقي؟! ونحن نبكي - اليوم - حال الوئام الاجتماعي قبل الميثاق! هذه حقيقة لا ينكرها عاقل.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ