لي صديقٌ شاءت الظروف أن يتزوج الثانية. ولأنه مؤمن بسياسة تأجيل وجع الرأس لا القضاء عليه جذريا حاول إخفاء مشروع زواجه الثاني عن زوجته الأولى. ونصحه كثيرون بالبحث عن طريقة مناسبة لإعلام زوجته الأولى بالأمر. إلا أنه آثر التأجيل إلى أن اكتشفت هي بنفسها الأمر، فثارت ثائرتها، وقلبت حياته رأسا على عقب، وأحالت فرحه ترحا تمنى بعدها لو أنه أخبرها أولا لعله يمتص بذلك شيئا من غضبها.
ولأن الحكماء يقولون: من شب على شيء شاب عليه، لم يستطع صديقي هذا التخلي عن سياسة التأجيل، فقد حملت زوجته الجديدة بحملها الأول فأخفى على القديمة ذلك درءا للغَيْرة. وقال في نفسه: يمكنني تأجيل وجع الرأس تسعة أشهر. وما هو إلا شهر واحد وحملت القديمة فاضطر إلى إخفاء ذلك عن الجديدة أيضا. وصارت كل منهما تجهل حمل الأخرى! حتى إنه حدد موعد دورة كل واحدة من زوجتيه، وصار يحمل كيس الفوط الصحية في سيارته مرتين شهريا؛ حتى يستطيع أن يبرهن لكل واحدة منهما أن الأخرى ليست حاملا!
قلتُ له: يا صديقي إنك تفاقم مشكلاتك وتراكمها بهذه التأجيلات المتكررة. عليك أن تبادر إلى حل مشكلاتك في حينها، وخصوصا أنك على يقين أن كل ما تفعله لا يلغي المشكلة. فمسألة الحمل مثلا حتى إن نجحت في إخفائها تسعة أشهر فستضطر للتعامل معها بعد الولادة، وتأكد أنك بهذه الطريقة تزرع قنابلَ موقوتة في حياتك وإن أجلت انفجارها حتى إشعار آخر فستنفجر يوما ما.
طريقة المسكنات هذه هي نفسها الطريقة التي يتم التعامل بها مع أكثر الملفات سخونة في البحرين. وما من ملف من الملفات المهمة إلا والنظر فيه معلقٌ حتى إشعار آخر. والفوط الصحية التي استخدمها صاحبنا مع زوجتيه تسعة أشهر للأسف تستخدمها الحكومة مع الشعب سنوات طويلة. والملفات الخدمية ليست أفضل حالا من الملفات السياسية في تأجيل النظر إليها.
نتيجة سياسة التأجيل أنتجت حزمة كبيرة من الملفات التي تدس الحكومة رأسها في التراب تحاشيا النظر إليها. وسأتحاشى أنا أيضا سرد تلك الملفات؛ لأن سردها لن يزيدها وضوحا. فما من ملف مهم يدور في المخيلة إلا وهو عالق. وكل ما أتمنى أن يخبر صديقي زوجتيه بحمل كل واحدة منهما قبل أن تلد الاثنتان وتعلمان الأمر فتنفجر في وجهه القنبلة الموقوتة التي زرعها بيديه الكريمتين!
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ