يروّج بعض المقربين للجهات الرسمية أن الحكومة تمارس التمييز على مختلف المستويات، وخصوصا المناصب والوظائف؛ بسبب عدم ثقتها بولاء الطائفة التي تستهدفها سياسة التمييز. فيبررون هذه السياسة من خلال الضرب دوما على وتر التشكيك في ولاء هذه الفئة من الشعب، بالادعاء أن إقصاءها وتهميشها وحرمانها بعض المناصب والوظائف سببه ضعف ولائها للحكومة. ومن المهم جدا التمييز بين الولاء للحكومة بمعنى الإخلاص لها ونصرتها ومحبتها، والولاء للوطن، إذ لا علاقة بين الاثنين. أكثر من ذلك، إن معارضة الحكومة ورفضها قد يكونان بدافع الولاء للوطن وحبه وحفظه في حال كانت الحكومة ظالمة.
والإجابة عن السؤال المهم الآتي يعرّفنا مدى دقة ادعاء ما تروجه الأطراف القريبة من الجهات الرسمية أو وهنه: هل ضعف الولاء للحكومة حدث قبل وقوع ممارستها التمييز أم بعد ذلك؟
لابد من كون أحدهما السبب والثاني النتيجة. حذارِ من الدخول في إشكال مسألة «الدور» الباطل، والدور مصطلح فلسفي عبّر عن إثارته البليغة قول الشاعر:
مسألة الدور جرت
بيني وبين من أحب
لولا مشيبي ما جفا
لولا جفاه لم أشب
فأيهما النتيجة وأيهما السبب؟ إذ لا يُعقل أن جفاء الحبيب أدى إلى بزوغ الشيب مبكرا، وفي الوقت نفسه وبالظروف نفسها إن الشيب هو الذي نفّر الحبيب من حبيبه. والتدقيق في السؤال الآتي يوصل إلى الإجابة: هل ممارسة الحكومة سياسة التمييز، كحرمان فئة من الفئات من مناصبَ ووظائفَ معينةٍ؛ بسبب عدم ثقتها بهذه الفئة أم أن الحكومة تمارس التمييز ضد فئة معينة لسبب من الأسباب فتكون النتيجة فقدان ولائها وحبها؟ إذ من تسيء إليه لا يمكن أن يحبك أو ينصرك. ألا ينبغي للحكومة أن تكون بمثابة الأب للجميع؟ كم يشعر الولد بإلإساءة من والده حين يعامله معاملة تختلف عن معاملة بقيّة إخوته، حتى إن الرسول (ص) نظر يوما إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال النبي (ص): «فهلا ساويت بينهما». ويرسل الإمام علي (ع) إلى واليه الأسود بن قطنة رسالة يقول فيها: «فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء». بل ذهب الإمام (ع) إلى أبعد من ذلك حين طالب الوالي أن يواسي بين الرعية في حضرته، حتى في النظرة، فيقول في عهده لمحمد بن أبي بكر: «... وآسِ بينهم في اللحظة والنظرة، حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم».
وقد يزعم البعض أن التمييز طرأ نتيجة حوادث المنطقة منذ مطلع الثمانينيات، غير أن ما مضى من تاريخ حين لم يكن هنا نفط، درس بليغ بخطأ هذا التحليل. ففي آنذاك حين كانت الدولة بلا نفط، كان التمييز أشد من الوضع الحالي، وكانت الحكومة تمارس التمييز حتى في فرض ضرائب على الشعب، فبعض أنواع الضرائب تُفرض على كل فرد بلغ سن الثامنة عشرة من الأصول العربية فقط لطائفة معينة دون الطوائف والفئات الأخرى. ولم يتغير الوضع إلاّ بمواصلة المطالبة وتقديم التضحيات. طبيعي ان فساد مسألة «الدور» يقود إلى نتيجة واحدة هي إن ضعف الولاء للحكومة والنفور منها سببهما ممارستها التمييز... وفي الموقف من التقرير المثير واستجواب الوزير أحمد عطية الله آل خليفة ما يبرر أزمة الثقة بالحكومة. فكيف يجتمع الولاء مع ضعف الثقة؟
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ