وهو يقرأ الصحيفة لفت نظره خبر استجلاب 3000 ممرضة تايلندية. فما كان منه إلى أن توجه إليَّ (باعتباري أعمل في صحيفة) بسؤاله: «يعني البلد ما فيها خريجات تمريض ما توظفوا للحين عشان يجيبون ممرضات من تايلند»... سؤال قريبي ذاك كأنه لمس موقع «شوط» في جسمي. فبادرته بغضب تعجبت نفسي منه: «وليش من متى ينتظرون إنهم يحتاجون عشان يجيبون من بره... شوفهم كل يوم يعلنون في صحف الأردن وغيرها عن وظائف شاغره ومنها وظائف لمدرسات لغه عربيه في حين مدرسات اللغه العربيه (البحرينيات) ينتهي عمرهم الافتراضي وللحين ما تعينوا»!
2300 عاطل جامعي هو العدد الذي أعلنته وزارة العمل فقط، وانفردت «الوسط» بنشر أسمائهم في ملحق خاص يوم الإثنين الماضي، في تخصصات تستغرب لِمْ لم يعين أصحابها بعد، على حين بزيارة خاطفة لأية وزارة وجهة حكومية كانت أو خاصة تلتمس النقص أو يدور في خلدك السؤال ذاته: «ما في بحريني في هالتخصص عشان يوظفون أجنبي مكانه؟»!
«تنبط جبدك» وأنت تسمع أخيك الصغير يعدد عليك أسماء مدرسيه لتجد من بينهم واحدا فقط بحرينيا من ضمن مجموعة مدرسين عرب (وربما بحرينيين جدد)، «واللي يبط الجبد أكثر» إذا نقل إليك كلمات «عربية» ترجمها إليه المدرس العربي المحترم لتساوي كلمات «نابية» لا يجوز لأي مدرس محترم مهما كانت جنسيته أن يلقنها لتلاميذ صفه! تعود إلى قائمة الجامعيين العاطلين لتجد خريجي اللغة العربية والتربية الإسلامية والرياضيات واللغة الإنجليزية والتاريخ والجغرافيا التطبيقية... وكل المواد التي تدرس في المدارس، عوضا عن الرياضة والفنون التربوية اللتين منذ أن كنا وربما آباؤنا في المدارس لا يقوم بتدرسيهما سوى الإخوة المصريين، لنتفاجأ بقائمة (بحرينية) في التخصصين عاطلة اليوم!
وغير ذلك هناك خريجو الحاسوب وتقنية المعلومات الذين لم تعد وزارة التربية والتعليم بحاجة إلى اثنين منهما فقط ليشغلا وظيفة كاتب/ كاتبة أو سكرتير/ سكرتيرة، بل هناك توجه ومشروع ضخم لطالما سمعنا عنه في كل يوم هو «مشروع مدارس المستقبل» الذي يقوم أساسا على الحاسوب وهندسته والتقنية المعلوماتية. فأين «التربية» عنهم؟ وأين «الحكومة الإلكترونية» بكامل منظومتها من هؤلاء ومن خريجي الإحصاء؟
وفي الوقت الذي تتزايد صحتنا النفسية تدهورا جراء ما نمر به بشكل يومي من أزمات معيشية، نجد قائمة مطولة من خريجي علم النفس والخدمة الاجتماعية عاطلين عن العمل، والأخيرة مازالت تصدح بصوتها «ها أنا ذا يا من تجأرون بحاجاتكم إلى مثل تخصصنا. بل تحمل وزارة من وزاراتكم مسمى تخصصنا»!
طاقات إبداعية تخرجت بالبكالوريوس وأكبر. تجد الحماس فيها متوهجا مع بداية التخرج... حماس من الممكن لو استغل ووجد من يتبناه ويرعاه أن ينمي بدوره الإبداع في جيل بكامله لينهض بهذا البلد الذي ما فتئ يستثمر ويعلو في مجال الاقتصاد والعلم. ولكن الإحباط واليأس اللذين يقابل بهما لا يولّدان إلا مثلهما، فلا خير في شجرة جذورها موبوءة.
سنوات الانتظار لا تسلب من الإنسان سنوات من عمره هدرا، وإنما تجرده من كل ما تلقاه وخزنه في ذاكرته وجهد في ذلك ليخرج بأعلى مستوى. فما الفائدة المرجوة من تعيين شخص مر على تخرجه عشر سنوات وأكثر بكثير (وهذا ما تشير إليه الأرقام الشخصية للخريجين الجامعيين العاطلين)؟
وعلى هذا فملحق أسماء الجامعيين العاطلين لم يمر بأوجاعه من دون طرافة وإن كانت مبكية في حقيقتها. فإحدى هؤلاء نشر اسمها ضمن القائمة ولكنها لم تعلم ذلك إلا عن طريق أحد معارفها الذي نقل إليها فقط أن اسمك مذكور في الصحيفة، من دون أن يبيّن لها سبب ذلك، فاعتقدت المسكينة أن الفرج أتى بتعيينها فما كان منها إلا أن وزعت رسائل SMS على معارفها تبشرهم بتعيينها أخيرا!
المهم في الموضوع كله إن القيادة أعطت توجيهاتها لتوظيف الجامعيين العاطلين وخصصت 15 مليونا لتوظيف 1912 منهم آنذاك، وها هو العدد يزداد إلى 2300 وما من جامعي ضمن العدد الأول أو الأخير عيّن وانتهت أزمته! ولا أظن أن أحدا من العاطلين سيرفض التدريب (وبعضهم إعادة تأهيل) إن كانت النتيجة التوظيف مؤكدا.
نحن مستعدون. فهل أنتم مستعدون لتنفيذ توجيهات القيادة أولا التي عطلتم تنفيذها لأشهر، ومن ثم رفع شبهة «التمييز في التوظيف» عن وزاراتكم سواء كان بحسب الطائفة أو الجنسية أو درجة القرابة، بتولية البحرينيين المكانة التي يستحقونها وفق شهاداتهم؟
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 2003 - الجمعة 29 فبراير 2008م الموافق 21 صفر 1429هـ